فَلَوْ أَنَّهُمْ اتَّبَعُوا السُّنَّةَ الْمُطَهَّرَةَ لَسَلِمُوا مِنْ هَذِهِ الْإِهَانَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، فَإِنَّ الْمُتَّبِعَ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَمَاهُ عَنْ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْطِنِ سُوءٍ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِيهِ أَحَدٌ لَكَانَ مُحَارِبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَثُرَ التَّشْنِيعُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ عَلَى يَدِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذْ الْجَنَابُ رَفِيعٌ جِدًّا لَا يَتَحَمَّلُ الدَّنَسَ، نَعَمْ إنَّمَا يَحْتَاجُ الْعَالِمُ أَنْ يَتَزَيَّنَ وَيُزَيِّنَ مَا زَيَّنَهُ اللَّهُ بِهِ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَإِطْرَاحِهَا وَتَرْكِ الْمُبَاهَاةِ بِهَا وَلُبْسِ الْخَشِنِ وَأَكْلِ الْغَلِيظِ وَالْهَرَبِ مِنْ الدُّنْيَا وَمِنْ زِينَتِهَا وَمِنْ أَبْنَائِهَا مَعَ النَّصِيحَةِ لَهُمْ وَالرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَطَلَبِهَا وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا وَمَحَبَّةِ أَهْلِهَا وَخِدْمَتِهِمْ وَالنَّصِيحَةِ لَهُمْ وَالتَّوَاضُعِ لَهُمْ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
هَذِهِ هِيَ زِينَةُ الْعَالِمِ الَّتِي تُزَيِّنُهُ وَتَرْفَعُهُ وَتُعَظِّمُهُ وَتَزِيدُ رِيَاسَتُهُ بِسَبَبِهَا وَيَرْتَفِعُ قَدْرُهُ وَيَعْلُو أَمْرُهُ وَيَظْهَرُ عِلْمُهُ وَيَتَمَيَّزُ وَيَتَوَاضَعُ لَهُ مَنْ يَرَاهُ وَيَسْمَعُهُ بِهِ مَنْ سُلْطَانٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ عَامِّيٍّ. أَلَا تَرَى إلَى مَا يُحْكَى عَنْ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ هَيْبَةِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ وَالْعَوَامِّ لَهُ مَعَ جُلُوسِهِ فِي الدُّرُوسِ وَغَيْرِهَا مَرَّةً بِكُلُوثَةٍ عَلَى رَأْسِهِ وَمَرَّةً بِقَبَاءٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حُكِيَ عَنْهُ فَلَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ إلَّا رِفْعَةً وَعِزًّا لِاتِّصَافِهِ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ وَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْوَقْتِ مِنْ اسْتِبَاحَةِ مَا يَلْبَسُونَهُ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ أَنَّ ذَلِكَ بِفَتْوَاهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتِنَادُهُمْ فِي ذَلِكَ إلَى فَتْوَاهُ فَهُوَ غَلَطٌ مَحْضٌ وَخَطَأٌ صُرَاحٌ وَوُقُوعٌ فِي حَقِّهِ بِمَا لَا يَنْبَغِي وَادِّعَاءٌ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لَا يُجِيزُهُ، وَلَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ إخْوَانه الْمُسْلِمِينَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَيُوَضِّحُهُ جَوَابٌ فِي فَتَاوِيهِ الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا أَنْ سُئِلَ فِيهَا فَقِيلَ لَهُ: هَلْ فِي لُبْسِ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُوَسَّعَةِ الْأَرْدَانِ وَالْعَمَائِمِ الْكَبِيرَةِ بَأْسٌ أَوْ بِدْعَةٌ تَسْتَعْقِبُ تَوْبِيخًا فِي الْقِيَامَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَحْسِينِ الْخِيَاطَةِ وَالَزِيقِ وَالتَّضْرِيبِ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْوَرَعِ أَمْ لَا؟ .
فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا هَذَا نَصُّهُ: الْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاقْتِصَادِ فِي اللِّبَاسِ، وَإِفْرَاطُ تَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ وَالثِّيَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute