للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِقَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ، وَرَأَيْنَا بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ الْيَوْمَ إلَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ يَلْبَسُ تِلْكَ الثِّيَابَ فَقُلْنَا هَذِهِ تِلْكَ الثِّيَابُ جَهْلًا مِنَّا بِأَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ مِنْهُمْ وَصِفَتِهِمْ. وَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ وَإِيَّانَا إلَى حَالِ مَنْ تَعَلَّقُوا بِفَتْوَاهُ وَمَا جَرَى لَهُ حِينَ سَأَلَهُ السَّائِلُ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ شَيْءٌ فَقَطَعَ نِصْفَ عِمَامَتِهِ وَدَفَعَهَا لَهُ، ثُمَّ مَرَّ وَسَأَلَهُ آخَرُ فَأَعْطَاهُ النِّصْفَ الْآخَرَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ خُذْ عِمَامَتِي فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدِي أَتَمْشِي هَكَذَا بَيْنَ النَّاسِ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ جَوَابًا وَمَشَى لِسَبِيلِهِ وَشَقَّ الطَّرِيقَ مِنْ بَابِ زُوَيْلَةَ إلَى مَا بَيْنَ الْقَصْرَيْنِ، وَالنَّاسُ يَتَزَاحَمُونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَفْتُونَهُ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ جَلَسَ فِي الْمَدْرَسَةِ قَالَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْعِمَامَةَ لِمَنْ جَاءَ النَّاسُ يَسْتَفْتُونَ إلَيْكَ أَوْ إلَيَّ أَوْ كَمَا قَالَ فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِمَنْ هَذَا حَالُهُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا اسْتَبَاحُوهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ.

وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَمَا شَابَهَهُ قَالَ رَزِينٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا أَتَى عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا لِوَضْعِهِمْ الْأَسْمَاءَ عَلَى غَيْرِ مُسَمَّيَاتٍ؛ لِأَنَّ لِبَاسَ الْعُلَمَاءِ كَانَ عَلَى وَجْهٍ مَعْرُوفٍ فِيمَنْ مَضَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْهُمْ، ثُمَّ تَغَيَّرَ ذَلِكَ وَصَارَ لِبَاسُهُمْ الْيَوْمَ عَلَى مَا يُعْهَدُ، فَجَاءَ هَذَا الْعَالِمُ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ فَظَنَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْمَقَالَ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الْعُلَمَاءُ الْمَذْكُورُونَ وَأَنَّ هَذِهِ الثِّيَابَ هِيَ الْمُرَادُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلِبَاسِهِمْ، وَمَنْ اقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَوَقَعَ الِاسْمُ عَلَى غَيْرِ مُسَمًّى فَوَقَعَ مَا وَقَعَ بِسَبَبِ وَضْعِ الْأَسْمَاءِ عَلَى غَيْرِ مُسَمَّيَاتٍ. وَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ وَإِيَّانَا إلَى قَوْلِهِ فِي تَحْسِينِ الْخِيَاطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الرُّعُونَةِ وَالِالْتِفَاتِ إلَى الْأَغْرَاضِ الْخَسِيسَةِ مَعَ أَنَّ تَحْسِينَ الْخِيَاطَةِ لَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ مَا ذَكَرَ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُحَرَّمُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ يُبِيحُهُ أَوْ يَسْتَحِبُّهُ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ، وَلَا يُتَعَقَّلُ لِذَوِي

<<  <  ج: ص:  >  >>