اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ «إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ» .
فَيَنْوِي بِذَلِكَ مُبَادَرَتَهُ إلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا لَا يُتَزَيَّنُ بِهِ فَيَنْوِي بِلُبْسِهِ التَّوَاضُعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالِانْكِسَارَ وَالتَّذَلُّلَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِظْهَارَ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ إلَيْهِ وَامْتِثَالَ السُّنَّةِ أَيْضًا لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ «مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ كَسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْيَاقُوتِ» أَوْ كَمَا قَالَ. وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ لُبْسَ جَمَالٍ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ بِشْرٌ أَحْسِبُهُ قَالَ: تَوَاضُعًا كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ» هَذَا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ اتِّسَاعٌ وَتَرَكَ اللِّبَاسَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ.
أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ الثَّوْبِ فَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْوُجُوبِ لَيْسَ إلَّا لَكِنْ يَضُمُّ إلَى نِيَّةِ الْوُجُوبِ الرِّضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَتَرْكَ الِاخْتِيَارِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّسْلِيمَ لَهُ فِي حُكْمِهِ، وَهَذَا أَعْظَمُ أَجْرًا إذَا أَحْسَنَتْ نِيَّتُهُ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ الرِّضَى، وَمَقَامُ الرِّضَى عَزِيزٌ جِدًّا لَا يَقُومُ فِيهِ إلَّا وَاحِدُ عَصْرِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى ثِيَابٍ كَثِيرَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا يَلْبَسُهَا لِأَجْلِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَيَنْوِي بِذَلِكَ دَفْعَ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ عَنْهُ مُمْتَثِلًا فِي ذَلِكَ حِكْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِظْهَارَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالِاضْطِرَارَ فِي لُبْسِهِ مَعَ اعْتِقَادِ النِّيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْفَعُ الْحَرَّ أَوْ الْبَرْدَ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ.
وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذُكِرَ حَكَى بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ قَاعِدًا لِأَجْلِ الدَّرْسِ، وَإِذَا بِهِ قَدْ أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ ثَوْبَهُ وَأَوْمَأَ لِذَلِكَ وَتَحَرَّكَ إلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَجَعَلَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ إلَى ثَوْبِي فَوَجَدْتنِي قَدْ لَبِسْته مَقْلُوبًا فَعَزَمْت عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute