الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ انْتَهَى. وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا فِتْنَةً أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ الْفِتْنَةَ الْمَخُوفَةَ مَا هِيَ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُ لَوْ تَسَبَّبَ الذِّمِّيُّ فِي قَطْعِ رِيَاسَتِهِمْ أَوْ قَطْعِ مَنْصِبٍ لَهُمْ أَوْ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَامِكِيَّتِهِمْ أَوْ عَقَدَ وَجْهَهُ فِي وُجُوهِهِمْ أَوْ تَكَلَّمَ فِيهِمْ عِنْدَ أُسْتَاذِهِ بِأَمْرٍ مَا كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُمْ فِي جَوَازِ الْقِيَامِ لِأَهْلِ الْمِلَلِ مَعَاذَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْخَوْفُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مَعْلُومٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَشْهُورٌ بَيْنَهُمْ لَيْسَ عَلَى مَا تُسَوِّلُ لَنَا حُظُوظُ أَنْفُسِنَا وَيُزَيِّنُ لَنَا شَيْطَانُنَا وَيَحْمِلُنَا عَلَيْهِ قِلَّةُ يَقِينِنَا، وَأَعْظَمُ فِتْنَةً وَأَدْهَاهَا وَأَمَرُّهَا هَذَا الْأَمْرُ الْمُفْظِعُ الَّذِي وَقَعْنَا فِيهِ وَاصْطَلَحْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّا نَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ جَائِزًا أَوْ مَنْدُوبًا إلَيْهِ مُعْضِلَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تُسْتَدْرَكُ، وَلَا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا لِتَعَذُّرِ وُقُوعِ التَّوْبَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَكُونُ مِنْ الْجَائِزِ، وَلَا مِنْ الْمَنْدُوبِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْمَعَاصِي. فَالْحَاصِلُ مِنْ أَحْوَالِنَا فِيهِ أَعْنِي فِي الْقِيَامِ أَنَّا ارْتَكَبْنَا بِهِ بِدْعَةً جَرَّتْ إلَى حَرَامٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقِيَامُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى ارْتِكَابِ الْبِدَعِ، وَالتَّسَامُحِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي، وَمَعْذِرَةِ بَعْضِ عُلَمَائِنَا وَتَسَامُحِهِمْ وَتَغَافُلِهِمْ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ حَتَّى اُرْتُكِبَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْكَثِيرُ الْكَبِيرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَسْئُولُ فِي التَّجَاوُزِ وَالْعَفْوِ عَمَّا مَضَى، وَالتَّدَارُكِ وَاللُّطْفِ وَالْإِقَامَةِ مِمَّا بَقِيَ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ. وَقَدْ وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ هَذَا الْقِيَامَ يَتَعَيَّنُ الْيَوْمَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِتَرْكِ ذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا» الْحَدِيثَ. فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى مَا اُحْتُرِزَ مِنْهُ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَحْوَالٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا أَنْ يَقُومَ لِكُلِّ دَاخِلٍ عَلَيْهِ أَوْ الْعَكْسِ، وَإِمَّا أَنْ يَقُومَ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ مَذْهَبٌ لِحُرْمَةِ الْعِلْمِ وَالْمُرُوءَةِ وَقَلَّ أَنْ يَسْتَقِرَّ لَهُ قَرَارٌ فِي مَجْلِسٍ وَيَشْتَغِلُ عَنْ كُلِّ ضَرُورَاتِهِ لِكُلِّ دَاخِلٍ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا. وَهَذَا شَنِيعٌ وَمَعَ شَنَاعَتِهِ يَمْنَعُ مَا الْإِنْسَانُ قَاعِدٌ إلَيْهِ وَيَشْتَغِلُ عَنْهُ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ. وَإِنْ قَامَ لِبَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute