أَوْ الْفِضَّةِ وَالْجُلُوسِ فِي مَسْجِدٍ يُسِيءُ النَّاسُ الصَّلَاةَ فِيهِ فَلَا يُتِمُّونَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَالْجُلُوسُ فِي مَجْلِسِ وَعْظٍ يَجْرِي فِيهِ ذِكْرُ الْبِدْعَةِ، أَوْ فِي مَجْلِسِ مُنَاظَرَةٍ، أَوْ مُجَادَلَةٍ يَجْرِي فِيهَا الْأَذَى، أَوْ الْأَبْحَاثُ بِالسَّفَهِ وَالشَّتْمِ.
وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ خَالَطَ النَّاسَ كَثُرَتْ مَعَاصِيه وَإِنْ كَانَ تَقِيًّا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ الْمُدَاهَنَةَ فَلَا تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَيَشْتَغِلُ بِالْحِسْبَةِ وَالْمَنْعِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُجُوبُ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَلَمْ يُتْرَكْ الْمُنْكَرُ وَنَظَرَ إلَيْهِ بِعَيْنِ الِاسْتِهْزَاءِ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي مُنْكَرَاتٍ يَرْتَكِبُهَا الْفُقَهَاءُ وَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ فَهَا هُنَا يَجُوزُ السُّكُوتُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الزَّجْرُ بِاللِّسَانِ، وَيَجِبُ أَنْ يُفَارِقَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَلَيْسَ يَجُوزُ مُشَاهَدَةُ الْمَعْصِيَةِ بِالِاخْتِيَارِ، فَمَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ الشُّرْبِ فَهُوَ فَاسِقٌ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ وَمَنْ جَالَسَ مُغْتَابًا، أَوْ لَابِسَ حَرِيرٍ، أَوْ آكِلَ رِبًا، أَوْ حَرَامٍ فَهُوَ فَاسِقٌ وَلْيَقُمْ مِنْ مَوْضِعِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ بِأَنْ يَرَى زُجَاجَةً فِيهَا خَمْرٌ فَيَكْسِرُهَا، أَوْ يَسْلُبَ آلَةَ الْمَلَاهِي مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا وَيَضْرِبَ بِهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُضْرَبُ، أَوْ يُصَابُ بِمَكْرُوهٍ فَهَا هُنَا يُسْتَحَبُّ الْحِسْبَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: ١٧] .
ثُمَّ قَالَ عُمْدَةُ الْحِسْبَةِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: اللُّطْفُ وَالرِّفْقُ وَالْبُدَاءَةُ بِالْوَعْظِ عَلَى سَبِيلِ اللِّينِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعُنْفِ وَالتَّرَفُّعِ وَالْإِدْلَالِ بِدَلَالَةِ الصَّلَاحِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَكِّدُ دَاعِيَةَ الْمَعْصِيَةِ وَيَحْمِلُ الْعَاصِي عَلَى الْمَنَاكِرِ وَعَلَى الْأَذَى، ثُمَّ إذَا آذَاهُ وَلَمْ يَكُنْ حَسَنَ الْخُلُقِ غَضِبَ لِنَفْسِهِ وَتَرَكَ الْإِنْكَارَ لِلَّهِ وَاشْتَغَلَ بِشِفَاءِ غَلِيلِهِ مِنْهُ فَيَصِيرُ عَاصِيًا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَارِهًا لِلْحِسْبَةِ يَوَدُّ لَوْ تُرِكَتْ الْمَعْصِيَةُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَرِضُ كَانَ ذَلِكَ لَمَا فِي نَفْسِهِ مِنْ دَلَالَةِ الِاحْتِسَابِ وَعِزَّتِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ إلَّا رَفِيقٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ رَفِيقٌ فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ حَلِيمٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ حَلِيمٌ فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ فَقِيهٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute