للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«هِرَقْلَ لَمَّا أَنْ سَأَلَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ حَالُهُمْ فِي تَصَرُّفِهِمْ مَعَهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُمْ يَتَبَرَّكُونَ بِالْمَاءِ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِهِ وَبِبُصَاقِهِ» وَمَا شَاكَلَهُمَا فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَذَلِكَ الْمُتَّبِعُونَ لَهُ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ هَذِهِ الْبَرَكَةُ حَاصِلَةٌ لَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِثْلَهَا لَكِنْ بِبَرَكَةِ الِاتِّبَاعِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ وَرِثُوا مِنْهَا أَوْفَرَ نَصِيبٍ.

وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَنَا بِمَدِينَةِ فَاسَ أَنَّ الْقَاضِيَ الْأَعْظَمَ بِهَا وَكَانَ يُعْرَفُ بِابْنِ الْمَغِيلِيِّ وَكَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالصُّلَحَاءِ الْكِبَارِ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا إلَى أَنْ أَشْرَفَ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ بِالْبَلَدِ طَبِيبٌ حَاذِقٌ فِي وَقْتِهِ عَارِفٌ بِالطِّبِّ فَأَيِسَ مِنْهُ، وَقَالَ لَهُمْ اُتْرُكُوهُ يَأْكُلُ كُلَّ مَا شَاءَ وَاخْتَارَ فَإِنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ عَلَى مُقْتَضَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الصَّنْعَةِ، فَأَرْسَلَتْ زَوْجَةُ الْقَاضِي إلَى الشَّيْخِ الْجَلِيلِ أَبِي عُثْمَانَ الْوَرْكَالِيِّ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا جَرَى مِنْ الطَّبِيبِ فَأَخَذَ الشَّيْخُ الْمَاءَ وَتَوَضَّأَ فِي إنَاءٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِمَاءِ وُضُوئِهِ إلَى زَوْجَةِ الْقَاضِي وَقَالَ لَهَا اسْقِيهِ هَذَا الْمَاءَ فَسَقَتْهُ ذَلِكَ، ثُمَّ بَقِيَ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَ يُرِيدُ قَضَاءَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَأُتِىَ لَهُ بِإِنَاءٍ فَقَضَى حَاجَتَهُ فِيهِ فَوَجَدْت فِيهِ كُبَّةً عَظِيمَةً سَوْدَاءَ فَتَعَجَّبَ كُلُّ مَنْ رَآهَا فَأَرْسَلَتْ زَوْجَةُ الْقَاضِي إلَى الطَّبِيبِ الَّذِي مَا شَكَّ أَنَّهُ يَمُوتُ كَمَا تَقَدَّمَ فَأَرَتْهُ مَا خَرَجَ مِنْهُ فَتَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ عَجَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: هَذَا أَمْرٌ إلَهِيٌّ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا الْبَشَرُ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُخْرِجَ هَذَا مِنْ فُؤَادِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَوْ بَقِيَ مَعَهُ لَقَتَلَهُ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِ فَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى إلَى هَذِهِ الْبَرَكَةِ كَيْفَ هِيَ بَاقِيَةٌ فِي الْمُتَّبِعِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ الْعِصَابَةُ فِيهِمْ مَنْ أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْفَاهُ فَلَا يُعْرَفُ فَيَغْتَنِمُ بَرَكَةَ الْجَمِيعِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ حَضَرَهُ وَغَيْرَهُمْ عَلَى مَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ بَلْ الْمُحَرَّمِ لِلسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ وَهِيَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ غَسْلِ الْأَيْدِي بِمَاءِ الْوَرْدِ وَتَنْشِيفِهَا بِالْمَنَادِيلِ وَالْفُوَطِ الْحَرِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ وَظِيفَةَ الْعَالِمِ فِي التَّغْيِيرِ الْكَلَامُ بِاللِّسَانِ فَيَبُثُّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ إذَا قَدَرَ بِشَرْطِهِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>