هُنَاكَ بِقَدْرِ عِزَّتِهِ عِنْدَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُقِيمُ الشَّهْرَ، وَالشَّهْرَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى هَذِهِ الْبِدْعَةِ وَمَا جَرَّتْ إلَيْهِ، فَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ، وَقَدْ وَقَعَ النَّهْيُ عَنْ الْمَبِيتِ فِي الْقُبُورِ لِمَا يُخْشَى مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِ الْمَوْتَى، وَقَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ عَنَّا رَحْمَةً بِنَا فَمَنْ يَبِتْ هُنَاكَ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ إلَى زَوَالِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى شَيْئًا يَذْهَبُ بِهِ عَقْلُهُ.
وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُتْبَعَ الْمَيِّتُ بِنَارٍ حِين تَشْيِيعِهِ إلَى قَبْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَفَاؤُلٌ رَدِيءٌ وَهَؤُلَاءِ يُوقِدُونَ الشُّمُوعَ وَغَيْرِهَا عِنْدَهُ مَعَ مَا يُوقِدُونَهُ مِنْ الْأَحْطَابِ لِطَعَامِهِمْ اللَّهُمَّ عَافِنَا مِنْ قَلْبِ الْحَقَائِقِ، وَقَدْ قَالَ لِي مَنْ أَثِقُ بِهِ إنَّهُ بَنَى دَارًا حَوْلَ الْقُبُورِ فَسَكَنَ هُنَاكَ فَأَصْبَحَتْ جَارِيَةٌ مِنْ جَوَارِيهِ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا رَأَتْ فِي النَّوْمِ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا شَيْبَةٍ وَجَمَالٍ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ وَهُوَ يَقُولُ نَحْنُ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ سُكَّانٌ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَأَنْتُمْ تَدُقُّونَ عَلَى رُؤْسِنَا بِالْهَاوُنِ بِاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ، وَقَدْ شَوَّشْتُمْ عَلَيْنَا قَالَ فَأَخْلَيْت ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَأَمَرْت بِهَدْمِهِ عَنْ آخِرِهِ فَالْبِنَاءُ فِي الْقُبُورِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَحِلُّ الْبِنَاءُ فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْجَلِيلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ تَارِيخَ مِصْرَ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَنْ فَتْحَ مِصْرَ وَأَخَذَ الْبِلَادَ مِنْ الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ مِصْرَ أَعْطَاهُ الْمُقَوْقِسُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ الْقَرَافَةِ مَالًا جَزِيلًا فَكَتَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كِتَابًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّ الْمُقَوْقِسَ أَعْطَاهُ فِي أَرْضٍ مِنْ الْأَمْوَالِ كَذَا وَكَذَا، وَهِيَ لَا تَنْفَعُ لِشَيْءٍ وَرَأَيْت أَنَّ هَذَا الْمَالَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَأْخُذُ هُوَ أَرْضًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا لَكِنِّي وَقَفْت فِي ذَلِكَ لِأَمْرِك فَانْظُرْ مَا تَرَى فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا بَعْدُ فَاسْأَلْهُ لِمَاذَا بَذَلَ هَذَا الْمَالَ فِيهَا، وَهِيَ لَا تَنْفَعُ لِشَيْءٍ فَسَأَلَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: إنَّا نَجِدُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute