حَتَّى انْتَقَلَ إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ أَنَّ حِكْمَةَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ مَضَتْ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَتَشَرَّفُ الْأَشْيَاءُ بِهِ لَا هُوَ يَتَشَرَّفُ بِهَا فَلَوْ بَقِيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَكَّةَ إلَى انْتِقَالِهِ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى لَكَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ قَدْ تَشَرَّفَ بِمَكَّةَ، إذْ أَنَّ شَرَفَهَا قَدْ سَبَقَ بِآدَمَ، وَالْخَلِيلِ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُبَيِّنَ لِعِبَادِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْضَلُ الْمَخْلُوقَاتِ كَانَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ هِجْرَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْمَدِينَةِ فَتَشَرَّفَتْ الْمَدِينَةُ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا وَقَعَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الْبِقَاعِ الْمَوْضِعُ الَّذِي ضَمَّ أَعْضَاءَهُ الْكَرِيمَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ وَغَيْرِهَا وَانْظُرْ إلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي بَاشَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَجِدْهَا أَبَدًا تَتَشَرَّفُ بِحَسَبِ مُبَاشَرَتِهِ لَهَا وَبِقَدْرِ ذَلِكَ يَكُونُ التَّشْرِيفُ أَلَا تَرَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي الْمَدِينَةِ: تُرَابُهَا شِفَاءٌ» .
وَمَا ذَاكَ إلَّا لِتَرَدُّدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِتِلْكَ الْخُطَى الْكَرِيمَةِ فِي أَرْجَائِهَا لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ، أَوْ إغَاثَةِ مَلْهُوفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمَّا أَنْ كَانَ مَشْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنْ تَرَدُّدِهِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَظُمَ شَرَفُهُ بِذَلِكَ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ وَلَمَّا أَنْ كَانَ تَرَدُّدُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ بَيْتِهِ وَمِنْبَرِهِ أَكْثَرَ مِنْ تَرَدُّدِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَانَتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ الشَّرِيفَةُ بِنَفْسِهَا رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» انْتَهَى.
وَفِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا يُحَصِّلُ لِصَاحِبِهِ رَوْضَةً فِي الْجَنَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِنَفْسِهَا تُنْقَلُ إلَى الْجَنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
، ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَا كُنَّا بِسَبِيلِهِ مِنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْآدَابِ، وَهُوَ فِي زِيَارَةِ الْعُلَمَاءِ، وَالصُّلَحَاءِ وَمَنْ يَتَبَرَّكُ بِهِمْ.
وَأَمَّا عَظِيمُ جَنَابِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالرُّسُلِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute