رَوْضَتِهِ الَّتِي عَظَّمَهَا وَرَفَعَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا وَجْهٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عَامَّتَهُمْ يُلْقُونَ النَّوَى هُنَاكَ وَهُوَ أَذًى فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الذُّبَابُ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْأَذَى لِلْمَوْضِعِ الشَّرِيفِ مَا فِيهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعَامِلُ الْمَوْضِعَ الَّذِي عَظَّمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالنَّقِيضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَكَلَ التَّمْرَ حَصَلَ لُعَابُهُ فِي النَّوَاةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهَا وَيُلْقِيهَا فِي الْمَسْجِدِ وَلُعَابُهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا بُصَاقٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَقِلَّةِ الِاحْتِرَامِ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ
. فَإِذَا زَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ قَدَرَ أَنْ لَا يَجْلِسَ فَهُوَ بِهِ أَوْلَى، فَإِنْ عَجَزَ، فَلَهُ أَنْ يَجْلِسَ بِالْأَدَبِ، وَالِاحْتِرَامِ، وَالتَّعْظِيمِ، وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ الزَّائِرُ فِي طَلَبِ حَوَائِجِهِ وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ أَنْ يَذْكُرَهَا بِلِسَانِهِ، بَلْ يُحْضِرُ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ وَهُوَ حَاضِرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْلَمُ مِنْهُ بِحَوَائِجِهِ وَمَصَالِحِهِ وَأَرْحَمُ بِهِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الْفَرَاشِ تَقَعُونَ فِي النَّارِ وَأَنَا آخُذُ بِحُجُزِكُمْ عَنْهَا» .
أَوْ كَمَا قَالَ، وَهَذَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ أَعْنِي فِي التَّوَسُّلِ بِهِ وَطَلَبِ الْحَوَائِجِ بِجَاهِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ زِيَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجِسْمِهِ فَلْيَنْوِهَا كُلَّ وَقْتٍ بِقَلْبِهِ وَلْيُحْضِرْ قَلْبَهُ أَنَّهُ حَاضِرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَشَفِّعًا بِهِ إلَى مَنْ مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رُقْعَتِهِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إلَيْهِ مِنْ أَبْيَاتٍ
إلَيْك أَفِرُّ مِنْ زَلَلِي وَذَنْبِي ... وَأَنْتَ إذَا لَقِيت اللَّهَ حَسْبِي
وَزَوْرَةُ قَبْرِك الْمَحْجُوجُ قِدَمًا ... مُنَايَ وَبُغْيَتِي لَوْ شَاءَ رَبِّي
فَإِنْ أُحْرَمْ زِيَارَتَهُ بِجِسْمِي ... فَلَمْ أُحْرَمْ زِيَارَتَهُ بِقَلْبِي
إلَيْك غَدَتْ رَسُولَ اللَّهِ مِنِّي ... تَحِيَّةُ مُؤْمِنٍ دَنِفٍ مُحِبِّ
اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا شَفَاعَتَهُ وَلَا عِنَايَتَهُ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ وَأَدْخَلْنَا بِفَضْلِك فِي زُمْرَةِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ بِجَاهِهِ عِنْدَك، فَإِنَّ جَاهَهُ عِنْدَك عَظِيمٌ، ثُمَّ يُسَلِّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute