للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلسَّائِلِينَ، وَالطَّالِبِينَ، وَالْمُنْكَسِرِينَ، وَالْمُضْطَرِّينَ، وَالْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَلَيْسَ ثَمَّ مَنْ يُقْصَدُ مِثْلُهُ، فَمَنْ عَمِلَ عَلَى هَذَا ظَفَرَ وَنَجَحَ بِالْمَأْمُولِ، وَالْمَطْلُوبِ، أَوْ كَمَا قَالَ

. ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى زِيَارَةِ قُبُورِ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ ذَلِكَ، فَإِذَا زَارَ فَلْيَعْتَبِرْ فِي حَالِ مَنْ زَارَهُ وَمَا صَارَ إلَيْهِ فِي قَبْرِهِ مِنْ الْحَمَإِ الْمَسْنُونِ وَهِيَ الطِّينَةُ الْحَارَّةُ الْمُنْتِنَةُ الْعَفِنَةُ، وَمَاذَا سُئِلَ عَنْهُ، وَبِمَاذَا أَجَابَ وَمَا هُوَ حَالُهُ هَلْ فِي جَنَّةٍ، أَوْ ضِدِّهَا، وَيَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ وَرَفْعِ مَا بِهِ مِنْ الْكَرْبِ إنْ كَانَ بِهِ وَيَسْأَلُ لَهُ جَلْبَ الرَّحْمَةِ وَرَفْعَ الدَّرَجَاتِ وَيُشْعِرُ نَفْسَهُ أَنَّهُ حَصَلَ فِي عَسْكَرِهِمْ، إذْ كُلُّ آتٍ قَرِيبٌ كَمَا قِيلَ: مَنْ عَاشَ مَاتَ وَمَنْ مَاتَ فَاتَ وَأَنَّهُ الْآنَ كَأَنَّهُ يَسْأَلُ وَيُفَكِّرُ فِي مَاذَا يُجِيبُ، وَهُوَ فِي قَبْرِهِ وَحِيدٌ فَرِيدٌ قَدْ رَحَلَ عَنْهُ أَهْلُهُ وَمَعَارِفُهُ وَوَلَدُهُ وَمَالُهُ فَيَكُونُ مَشْغُولًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» انْتَهَى. فَيَتَعَلَّقُ بِمَوْلَاهُ فِي الْخَلَاصِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَطِرَةِ الْعَظِيمَةِ وَيَلْجَأُ إلَيْهِ وَيَتَوَسَّلُ

وَلَا يَقْرَأُ الزَّائِرُ عِنْدَ قَبْرِ الْمَيِّتِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شَغْلِهِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَحْتَاجُ صَاحِبُهَا إلَى التَّدَبُّرِ وَإِحْضَارِ الْفِكْرَةِ فِيمَا يَتْلُوهُ وَفِكْرَتَانِ فِي قَلْبٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَنَا أَعْتَبِرُ فِي وَقْتٍ وَأَقْرَأُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَالْقِرَاءَةُ إذَا قُرِئَتْ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ، إذْ ذَاكَ فَلَعَلَّ أَنْ يَلْحَقَ الْمَيِّتَ مِنْ تِلْكَ الرَّحْمَةِ شَيْءٌ يَنْفَعُهُ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَرِدْ بِذَلِكَ وَكَفَى بِهَا.

الثَّانِي: شَغْلُهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفِكْرَةِ، وَالِاعْتِبَارِ فِي حَالِ الْمَوْتِ وَسُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَالْوَقْتُ مَحَلٌّ لِهَذَا فَقَطْ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ عِبَادَةٍ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى سِيَّمَا لِأَجْلِ الْغَيْرِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ فِي بَيْتِهِ وَأَهْدَى لَهُ لَوَصَلَتْ، وَكَيْفِيَّةُ وُصُولِهَا أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ تِلَاوَتِهِ وَهَبَ ثَوَابَهَا لَهُ، أَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَهَا لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ دُعَاءٌ بِالثَّوَابِ؛ لَأَنْ يَصِلَ إلَى أَخِيهِ، وَالدُّعَاءُ يَصِلُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقُبُورِ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى قَبْرِهِ سَبَبًا لِعَذَابِهِ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>