للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَيْت عِيَانًا بَعْضَ النَّاسِ اسْتَجْمَرَ فِي حَائِطٍ فَلَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ كَانَتْ هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ وَرَأَى مِنْ ذَلِكَ شِدَّةً عَظِيمَةً.

التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ: لَا يَسْتَجْمِرُ بِفَحْمٍ؛ لِأَنَّهُ يُلَوِّثُ الْمَحَلَّ وَلَا بِعَظْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَقِّي وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ زَادُ إخْوَانِنَا مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ وَلَا بِزُجَاجٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَقِّي، وَهُوَ مُؤْذٍ وَلَا بِرَوْثٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الدَّعْكِ وَلَا يُنَظِّفُ وَيَتَفَتَّتُ، وَهُوَ زَادُ دَوَابِّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ وَلَا بِنَجَسٍ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُهُ تَنْجِيسًا وَلَا بِمَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ يُلَطِّخُ الْمَحَلَّ وَيَزِيدُهُ تَلْوِيثًا وَلَا بِطَعَامٍ لِحُرْمَتِهِ وَلَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ يَاقُوتٍ لِإِضَاعَةِ الْمَالِ وَلَا بِثَوْبٍ حَرِيرٍ وَلَا بِثَوْبٍ رَفِيعٍ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَرَفٌ وَيَسْتَجْمِرُ بِمَا عَدَا مَا ذُكِرَ.

وَقَدْ حَدَّ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِهَذَا حَدًّا يَجْمَعُ كُلَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ آلَاتِ الِاسْتِجْمَارِ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ فَقَالُوا: يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِكُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ مُنَقٍّ قَلَّاعٍ لِلْأَثَرِ غَيْرِ مُؤْذٍ لَيْسَ بِذِي حُرْمَةٍ وَلَا سَرَفٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَهُوَ ضَابِطٌ جَيِّدٌ انْتَهَى وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ خَارِجٌ أَنْ يَعْتَبِرَ إذْ ذَاكَ فِي الْخَارِجِ وَفِي نَتِنِهِ وَقَذَرِهِ فَإِنَّ نَفْسَهُ تَعَافُهُ وَيَعْلَمُ وَيَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ بِنَفْسِهِ كَذَلِكَ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ يُطْرَحُ قَذَرًا مُنْتِنًا تَعَافُهُ نَفْسُ كُلِّ مَنْ يَرَاهُ، بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَمُوتُ فَإِذَا دُفِنَ فِي قَبْرِهِ تَدَوَّدَ فَأَكَلَتْهُ الدِّيدَانُ فَإِذَا أَكَلَتْهُ الدِّيدَانُ رَمَتْهُ مِنْ جَوْفِهَا قَذِرًا مُنْتِنًا، وَيُعْلَمُ أَنَّ ثَمَّ قَوْمًا لَا يُدَوِّدُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَلَا تَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالشُّهَدَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ الْمُحْتَسِبُونَ.

فَالْمَقَامُ الْأَوَّلُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إذْ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ طُوِيَ بِسَاطُهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقِيَتْ الْمَقَامَاتُ الثَّلَاثُ فَيُنْظَرُ مَا فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَقَامَاتِ فَيَعْمَلُ عَلَيْهِ لِيَسْلَمَ بِهِ مِنْ هَذَا الْقَذَرِ وَالنَّتِنِ إنْ كَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ سَنِيَّةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ يُعَايِنُ مَا يُصَارُ إلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي حَالِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَنَا حَتَّى يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مَا هُوَ إلَيْهِ صَائِرٌ {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} [البقرة: ٢٦٩] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>