أَمْكَنَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَسْتَحْيِنَ أَنْ يَسْأَلْنَ الرِّجَالَ، وَلَا يُمْكِنُهُ مُبَاشَرَتُهُنَّ بِالْكَلَامِ، وَيَرَى أَنَّ بَذْلَ الْعِلْمِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لَهُنَّ فَيَجُوزُ، أَوْ يَجِبُ بِحَسَبِ الْحَالِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى فِعْلُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ زَوْجَةَ الْعَالِمِ تُبَلِّغُ عَنْهُ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لِلنِّسَاءِ عُمُومًا وَلِبَعْضِ الرِّجَالِ خُصُوصًا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مُخَاطَبَةِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعْلِيمِ زَوْجَةِ الْعَالِمِ لِلنَّاسِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَرَكْت فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي» انْتَهَى.
لِأَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ لَمْ يَزَالُوا يُبَلِّغُونَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، وَقَدْ كَانَ كِبَارُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ أَرْسَلُوا إلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهُنَّ فَيَرْجِعُونَ إلَى مَا يُفْتِينَ بِهِ فَهَذِهِ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ.
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَقِّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «خُذُوا عَنْهَا شَطْرَ دِينِكُمْ» فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعَالِمَ يُعَلِّمُ زَوْجَتَهُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ تُعَلِّمُهَا النَّاسَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْلُومِ الْمَشْرُوعِ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالزَّوْجَةِ، بَلْ كُلُّ مَنْ عَلَّمَهُ الْعَالِمُ مِنْ زَوْجَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا صَارَ عَالِمًا بِذَلِكَ الْحُكْمِ وَيُعَلِّمُهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ وَأَصْحَابَهُ، ثُمَّ عَلَّمُوا النَّاسَ وَانْتَشَرَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَكَانَ الْجَمِيعُ فِي صَحِيفَتِهِمْ وَهُمْ وَمَا فِي صَحِيفَةِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ، وَالْآخَرِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَذَلِكَ مَاضٍ إلَى أَنْ يُرْفَعَ الْقُرْآنُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهَا إنْ كَانَتْ جَاهِلَةً بِالْحُكْمِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ طَالَبَتْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ طَالَبَتْهُ بِالْخُرُوجِ إلَى التَّعْلِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي الْخُرُوجِ خَرَجَتْ بِغَيْرِ، إذْنِهِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَهَذَا الْقِسْمُ أَعْنِي طَلَبَ النِّسَاءِ حُقُوقَهُنَّ فِي أَمْرِ الدِّينِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْنَ إلَّا لِأَجْلِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] قَدْ أُهْمِلَ الْيَوْمَ وَصَارَ مَتْرُوكًا قَدْ دُثِرَ مَنَارُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute