فِيهَا عَلَى زِيَادَةِ كَبِدِ الْحُوتِ الَّذِي عَلَيْهِ قَرَارُ الْأَرَضِينَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّفَاؤُلِ بِذَلِكَ، إذْ أَنَّهُ عَرُوسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ يُشَرِّعُ لِأُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُنَبِّهَهُمْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْجَلِيِّ الْجَلِيلِ، ثُمَّ إنَّ مَنْ يُضَحِّي مِنْهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي، بَعْضُهُمْ يَبِيعُ جُلُودَ الْأُضْحِيَّةِ، وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنْ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَحَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» فَيَدْخُلُ الْمِسْكِينُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَبِيعُهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ فِي تَفْرِقَةِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، إذْ أَنَّهُمْ يُهْدُونَ اللَّحْمَ لِلْجَارِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ تَتَشَوَّفُ نَفْسُهُ لِلْعِوَضِ عَنْهُ، ثُمَّ إنَّ الْجَارَ وَغَيْرَهُ يُكَافِئُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ بِمِثْلِهِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، وَالْمُعْطِي، وَالْآخِذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْظُرُ فِيمَا يُعْطِيَهُ صَاحِبُهُ مِنْ الْعِوَضِ فَيَرْضَى بِهِ، أَوْ يَسْخَطُهُ، فَقَدْ خَرَجَ هَذَا عَنْ بَابِ الْمُهَادَاةِ بِقَصْدٍ مِنْ قَصْدِ الْعِوَضِ عَنْهُ.
وَالْأُضْحِيَّةُ لَا يُتَعَوَّضُ عَنْهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْهَدَايَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا الْعِوَضِيَّةُ بِشَرْطِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَدِيَّةِ الْجِيرَانِ الطَّعَامُ يَتَعَوَّضُونَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ فَاعِلَ السُّنَّةِ فِيمَا ذُكِرَ قَلِيلٌ مِنْ قَلِيلٍ، وَاعْلَمْ وَفَّقْنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ الْمَذْكُورَ فِي إهْدَاءِ اللَّحْمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الذَّمِيمَةِ وَمَا شَاكَلَهَا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ يُعْطِي لِلَّهِ تَعَالَى وَيَأْخُذُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى التَّعْوِيضِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ فَهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، بَلْ هُوَ مِنْ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ وَأَسْنَاهَا، وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ فِي هَدَايَا الْجِيرَانِ وَالْأَقَارِبِ الطَّعَامَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى مَكِيدَةِ إبْلِيسَ اللَّعِينِ كَيْفَ يَتَّبِعُ السُّنَنَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَيُلْقِي لِمَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ وَسْوَسَتَهُ حُجَجًا لِتَرْكِ تِلْكَ السُّنَّةِ وَاسْتِعْمَالِ غَيْرِهَا بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ مُحَرَّمٌ بَيِّنٌ، أَوْ بِدْعَةٌ بَيِّنَةٌ، يَرَى ذَلِكَ وَيَعْلَمُهُ مَنْ لَهُ نُورٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute