وَالنَّصْرَانِيِّ مَكْرُوهٌ إنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ فِي أَفْوَاهِهِمْ نَجَاسَةً فِي وَقْتِ الْفِعْلِ لِذَلِكَ، أَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يُطَهِّرْ فَمَهُ بَعْدَهَا، فَمَا أَصَابَهُ بِرِيقِهِ مُتَنَجِّسٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ إذَا كَانَ مِنْ مُسْلِمٍ فَكَيْفَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلِاقْتِدَاءِ بِالسُّنَّةِ وَالسَّلَفِ، وَالْخَلَفِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِرَازِ مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَأْكُولُ عَلَى سَبِيلِ السَّلَامَةِ مِمَّا ذُكِرَ لَكَانَ بَعِيدًا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَالطِّبِّ: أَمَّا الشَّرْعُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ.
وَأَمَّا الطِّبُّ فَإِنَّ الصَّوْمَ يُجَفِّفُ الرُّطُوبَاتِ غَالِبًا وَيَعْصِمُ، فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ الصَّوْمِ أَفْطَرُوا عَلَى الْكَعْكِ الَّذِي يَزِيدُهُمْ جَفَافًا وَإِمْسَاكًا فَيَتَضَرَّرُ الْبَدَنُ بِذَلِكَ، فَقَدْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْأَدْوِيَةِ، وَالْأَشْرِبَةِ، وَالْأَطِبَّاءِ وَكَانُوا فِي غِنًى عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمْ السَّمَكَ الْمَشْقُوقَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْفَاضِلِ الَّذِي يُعْتِقُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مِنْ الرِّقَابِ بِقَدْرِ مَا أَعْتَقَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلِّهِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ الْمَرْءُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إلَى كَسْبِ الْحَسَنَاتِ، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ كُلِّهِ اتِّقَاءُ الْمَحَارِمِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَلَا تَقْرَبُوا» .
فَاتَّخَذَ هَؤُلَاءِ فِطْرَهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ الشَّرِيفِ عَلَى شَيْءٍ مُمَكَّسٍ، وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعِدَّ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِإِفْطَارِهِ شَيْئًا حَلَالًا مِنْ جِهَةٍ يَرْضَاهَا الشَّرْعُ لَعَلَّهُ يَلْحَقُ بِالْقَوْمِ.
ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى هَذِهِ الْعَوَائِدِ الذَّمِيمَةِ فِي كَوْنِهِمْ يَتَّبِعُونَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَهُمْ فِيهَا حَظُّ نَفْسٍ وَمُبَاهَاةٌ وَشَهْوَةٌ خَسِيسَةٌ فَانِيَةٌ يَحْرِصُونَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعًا مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَوَلَدٍ وَعَبْدٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَيَسْتَعِدُّونَ لِذَلِكَ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ شَرْعًا، وَاَلَّذِي لَهُمْ فِيهِ الثَّوَابُ الْجَسِيمُ وَالْخَيْرُ الْعَمِيمُ يَتَسَاكَتُونَ عَنْهُ وَيُهْمِلُونَ أَمْرَهُ، وَلَمْ يُطَالِبْ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحَدًا هَذَا الْغَالِبُ مِنْهُمْ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ هُوَ مَا شَرَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فِي يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، وَهُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْيَوْمَ إخْرَاجُهُ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ، إذْ أَنَّهُ قُوتُ جَمِيعِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute