لَا يَحْتَاجُونَ إلَى الشَّيْطَانِ إذْ أَنَّ نُفُوسَهُمْ أَغْنَتْ الشَّيْطَانَ عَنْ تَكَلُّفِ أَمْرِهِمْ فَهِيَ تُحَدِّثُهُمْ وَتُسَوِّلُ لَهُمْ فَيَتَحَدَّثُونَ فِي سِرِّهِمْ بِمَا يَخْطُرُ لِنُفُوسِهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ خُوطِبْنَا بِكَذَا وَكَذَا. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُطْلِعَ عَلَى سِرٍّ مِنْ أَسْرَارِهِ مَنْ هُوَ مُخَالِفٌ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِكِتَابِهِ وَلِسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ أَبُو يَزِيدَ الْبِسْطَامِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ ذُكِرَ لَهُ بِالْوِلَايَةِ فَقَصَدَهُ فَرَآهُ يَتَنَخَّمُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَلْقَاهُ فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى أَدَبٍ مِنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَمِينًا عَلَى أَسْرَارِ الْحَقِّ. وَقَدْ وَعَظَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمًا مَنْ حَضَرَهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَصَاحَ وَمَزَّقَ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ قُلْ لَهُ يُمَزِّقُ لِي عَنْ قَلْبِهِ لَا عَنْ جَيْبِهِ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّهُمْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى مَا ذُكِرَ بَلْ ضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْخَطَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُغَنِّي شَابًّا نَظِيفَ الصُّورَةِ حَسَنَ الْكِسْوَةِ وَالْهَيْئَةِ أَوْ أَحَدًا مِنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ يَتَصَنَّعُونَ فِي رَقْصِهِمْ بَلْ يَخْطُبُونَهُمْ لِلْحُضُورِ فَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ رُبَّمَا عَادُوهُ وَوَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَيْهِ وَحُضُورِهِ فِتْنَةً كَمَا تَقَدَّمَ سِيَّمَا وَهُمْ يَأْتُونَ إلَى ذَلِكَ شَبَهَ الْعَرُوسِ الَّتِي تَجَلَّى لَكِنَّ الْعَرُوسَ أَقَلُّ فِتْنَةً لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ حَيِيَّةٌ وَهَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ الْعَنْبَرُ وَالطِّيبُ يَتَّخِذُونَ ذَلِكَ بَيْنَ أَثْوَابِهِمْ وَيَتَكَسَّرُونَ مَعَ ذَلِكَ فِي مَشْيِهِمْ إذْ ذَاكَ وَكَلَامِهِمْ وَرَقْصِهِمْ وَيَتَعَانَقُونَ فَتَأْخُذُهُمْ إذْ ذَاكَ أَحْوَالُ النُّفُوسِ الرَّدِيئَةِ مِنْ الْعِشْقِ وَالِاشْتِيَاقِ إلَى التَّمَتُّعِ بِمَا يَرَوْنَهُ مِنْ الشُّبَّانِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْهُمْ الشَّيْطَانُ وَتَقْوَى عَلَيْهِمْ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ وَيَنْسَدُّ عَلَيْهِمْ بَابُ الْخَيْرِ سَدًّا.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَأَنْ أُؤْتَمَنَ عَلَى سَبْعِينَ عَذْرَاءَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤْتَمَنَ عَلَى شَابٍّ. وَقَوْلُهُ هَذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ لِأَنَّ الْعَذْرَاءَ تَمْتَنِعُ النُّفُوسُ الزَّكِيَّةُ ابْتِدَاءً مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الشَّابِّ. لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّظْرَةَ الْأُولَى سُمٌّ وَالشَّابُّ لَا يَتَنَقَّبُ وَلَا يَخْتَفِي بِخِلَافِ الْعَذْرَاءِ. وَالشَّيْطَانُ مِنْ دَأْبِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ كُبْرَى أَجْلَبَ عَلَيْهَا بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ وَبِعَمَلِ الْحِيَلِ الْكَثِيرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute