وَبَقِيت فِي خُلْفٍ يُزَكِّي بَعْضُهُمْ ... بَعْضًا لِيَدْفَعَ مُعْوَرٌ عَنْ مُعْوَرِ
أَبُنَيَّ إنَّ مِنْ الرِّجَالِ بَهِيمَةً ... فِي صُورَةِ الرَّجُلِ السَّمِيعِ الْمُبْصِرِ
فَطِنٍ بِكُلِّ مُصِيبَةٍ فِي مَالِهِ ... فَإِذَا أُصِيبَ بِدِينِهِ لَمْ يَشْعُرْ
فَسَلْ الْفَقِيهَ تَكُنْ فَقِيهًا مِثْلَهُ ... مَنْ يَسْعَ فِي عِلْمٍ بِلُبٍّ يَظْفَرْ
(فَصْلٌ)
ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مَا أَشْنَعَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا ابْتَدَعُوا فِعْلَ الْمَوْلِدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَشَوَّفَتْ نُفُوسُ النِّسَاءِ لِفِعْلِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي مَوْلِدِ الرِّجَالِ مِنْ الْبِدَعِ وَالْمُخَالَفَةِ لِلسَّلَفِ الْمَاضِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ فَكَيْفَ إذَا فَعَلَهُ النِّسَاءُ لَا جَرَمَ أَنَّهُنَّ لَمَّا فَعَلْنَهُ ظَهَرَتْ فِيهِ عَوْرَاتٌ جُمْلَةٌ وَمَفَاسِدُ عَدِيدَةٌ فَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ فِي مَوْلِدِ الرِّجَالِ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ بَعْضُ النِّسَاءِ يَنْظُرُ إلَى الرِّجَالِ فَيَقَعُ مَا يَقَعُ مِنْ التَّشْوِيشِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَهْلِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْمَوْلِدِ الَّذِي يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مَا هُوَ أَعْظَمُ وَأَدْهَى لِأَنَّ بَعْضَ الرِّجَالِ يَتَطَلَّعُ عَلَيْهِنَّ مِنْ بَعْضِ الطَّاقَاتِ وَمِنْ السُّطُوحِ وَرُبَّمَا عَرَفَ الرِّجَالُ بِسَبَبِ ذَلِكَ بَعْضَ النِّسْوَةِ الْحَاضِرَاتِ فَيَقُولُونَ هَذِهِ زَوْجَةُ فُلَانٍ وَهَذِهِ بِنْتُ فُلَانٍ وَرُبَّمَا تَعَلَّقَتْ نُفُوسُ بَعْضِ الرِّجَالِ بِبَعْضِ مَنْ يَرَوْنَ. وَكَذَلِكَ بَعْضُ النِّسْوَةِ رُبَّمَا تَعَلَّقَ خَاطِرُهَا بِمَنْ رَأَتْهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ وَالشُّبَّانِ. فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى وُقُوعِ الْفِتْنَةِ الْكُبْرَى وَالْمَفْسَدَةِ الْعُظْمَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْلِدِ الرِّجَالِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ هَذَا وَجْهٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُنَّ اقْتَدَيْنَ بِالرِّجَالِ فِي الذِّكْرِ جَمَاعَةً بِرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ كَمَا يَفْعَلُ الرِّجَالُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بِأَدِلَّتِهِ سِيَّمَا وَأَصْوَاتُ النِّسَاءِ فِيهَا مِنْ التَّرْخِيمِ وَالنَّدَاوَةِ مَا هُوَ فِتْنَةٌ فِي الْغَالِبِ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ فَكَيْفَ بِالْجَمَاعَةِ فَتَكْثُرُ الْفِتْنَةُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَسْمَعُهُنَّ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الشُّبَّانِ وَأَصْوَاتُهُنَّ عَوْرَةٌ فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ الَّذِي يُعْمَلُ فِيهِ الْمَوْلِدُ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ عَلَى السُّوقِ زَادَتْ الْفِتْنَةُ وَعَمَّتْ الْبَلْوَى لِكَثْرَةِ مَنْ يَسْمَعُ أَوْ يَرَى ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ تَصْفِيقَهُنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute