للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَجَمِيعِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْفَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَا يُكْشَفَ عَنْهُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ قَبْرِهِ قَدْ غُصِبَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَلْحَدَ مَيِّتًا وَأُهِيلَ عَلَيْهِ بَعْضُ التُّرَابِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ يَاقُوتَةً وَقَعَتْ فِي الْقَبْرِ لَهَا قِيمَةٌ أَوْ نَفَقَةٌ كَثِيرَةٌ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُزَالَ مَا أُهِيلَ عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ لِأَخْذِ مَا وَقَعَ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَجْلِ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ فَلَا يَجُوزُ الْكَشْفُ بَعْدَ إهَالَةِ شَيْءٍ مِنْ التُّرَابِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَالْحِكْمَةُ فِي مَنْعِ الْكَشْفِ عَنْهُ خَشْيَةً مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ حَالُ الْمَيِّتِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَمَنَعُوا ذَلِكَ مِنْ بَابِ السَّتْرِ عَلَيْهِ.

وَقَدْ امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: ٢٥] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: ٢٦] فَالسَّتْرُ فِي الْحَيَاةِ سَتْرُ الْعَوْرَاتِ وَفِي الْمَمَاتِ سَتْرُ جِيَفِ الْأَجْسَادِ وَتَغَيُّرِ أَحْوَالِهَا فَكَانَ الْبُنْيَانُ فِي الْقُبُورِ سَبَبًا إلَى خَرْقِ هَذَا الْإِجْمَاعِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَفْرِ قُبُورِهِمْ وَالْكَشْفِ عَنْهُمْ بَلْ يَأْخُذُونَ مَا وَجَدُوا مِنْ الْأَمْوَاتِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ مِنْ قِدَمٍ أَوْ طَرَاوَةٍ فِي الْقِفَافِ فَيَرْمُونَ ذَلِكَ فِي الْمَزَابِلِ أَوْ يَدْفِنُونَهُ بَعْضَ دَفْنٍ وَالْغَالِبُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَنْ لَهُ شَوْكَةٌ فَيَعْمَلُونَ فِي مَوَاضِعِ الْقُبُورِ الْبُيُوتَ الْعَالِيَةَ وَالْمَرَاحِيضَ وَالسَّرَابَاتِ وَيَنْقُلُونَ الْمَوْتَى وَفِيهِمْ الْعُلَمَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالْأَشْرَافُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ كَانَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّهُمْ مَاتُوا بِمِصْرَ فَيَعْمَلُونَ فِي مَوَاضِعِهِمْ السَّرَابَاتِ الَّتِي لِلْمَرَاحِيضِ فَتَعُمُّ الْأَذِيَّةُ لِمَنْ نُقِلَ مِنْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ لَمْ يُنْقَلْ لِقُوَّةِ سَرَيَانِ النَّجَاسَةِ الْمُنْبَعِثَةِ إلَيْهِمْ فِي قُبُورِهِمْ. وَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ لَا شَوْكَةَ لَهُ وَيَسْكُتُ لَهُ لِلْعَادَةِ الذَّمِيمَةِ الْجَارِيَةِ فِيهِمْ وَبَيْنَهُمْ. وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ عِيَانًا حَفَرَ بَعْضُ النَّاسِ مِمَّنْ لَا شَوْكَةَ لَهُ مَوْضِعَ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ فَرَأَيْت الْفَعَلَةَ وَهُمْ يَنْقُلُونَ عِظَامَ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ فَيَرْمُونَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَتَّى بَنَى دَارًا عَظِيمَةً عَلَى زَعْمِهِمْ وَحَمَّامًا وَإِصْطَبْلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>