للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَجِدُ سُنَّةً إلَّا وَيَعْمَلُ عَلَى تَرْكِهَا بِكَيْدِهِ وَتَسْوِيلِهِ وَتَزْيِينِهِ ثُمَّ يُبَدِّلُهَا بِضِدِّهَا أَلَا تَرَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي النِّسَاءِ فِي حَالِ حَيَاتِهِنَّ الِاخْتِفَاءُ وَالْحِجَابُ الْمَنِيعُ وَمَهْمَا أَمْكَنَ كَانَ أَوْلَى وَأَوْجَبَ وَفِي حَالِ الْمَمَاتِ لَمْ تُفَرِّقْ السُّنَّةُ بَيْنَ قُبُورِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَعْنِي فِي كَيْفِيَّةِ الْقُبُورِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا زِيٌّ يَخْتَصُّ بِهِ.

وَأَنْتَ تَرَى حَالَ بَعْضِ النِّسْوَةِ الْيَوْمَ عَلَى النَّقِيضِ مِنْ ذَلِكَ فَتَرَاهُنَّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ يَتَبَرَّجْنَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَغَيْرِهَا ثُمَّ إنَّهُنَّ إذَا مُتْنَ يَجْعَلْنَ عَلَى قُبُورِهِنَّ أَعْنِي مَنْ قَدَرَ مِنْهُنَّ فَيَجْعَلْنَ فِي التُّرَبِ الْحُجَّابَ مِنْ الطَّوَّاشِيَّةِ وَالْبَوَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِمَّنْ لَمْ يَرْضَوْهُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ فَعَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُنَّ فِي قُبُورِهِنَّ عَكْسُ الْحَيَاةِ فَانْتَهَى الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهِنَّ شَيْءٌ مِنْ بَرَكَةِ مَنْ يَزُورُ الْقُبُورَ، أَوْ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهَا، أَوْ يَمُرُّ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ مَنْ يُبَكِّرُ مِنْ الرِّجَالِ وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُونَ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ لَا يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ إلَّا بِالشَّيْءِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ أَعْنِي أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَتَّصِفُ بِهِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ غَنِيٌّ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَنِيُّ الْكَرِيمُ، وَإِنَّمَا يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالذُّلِّ وَالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالتَّصَاغُرِ فَهَذِهِ الْمَعَانِي وَمَا أَشْبَهَهَا هِيَ الَّتِي تَنَزَّهَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ شَرَفٌ وَلَا تَقَرُّبٌ إلَّا بِهَا فَإِنْ انْخَرَمَ شَيْءٌ مِنْهَا نَقَصَ مِنْ حَالِهِ مَعَ رَبِّهِ تَعَالَى بِقَدْرِ ذَلِكَ فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى عَكْسِ الْحَالِ.

كَانَ النَّاسُ يَقْتَدُونَ بِالْعُلَمَاءِ فَصَارَ الْيَوْمَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ يَرْتَكِبُ مَا لَا يَنْبَغِي كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَيَأْتِي الْعَالِمُ فَيَقْتَدِي بِهِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ فَعَمَّتْ الْفِتْنَةُ وَاسْتَحْكَمَتْ هَذِهِ الْبَلِيَّةُ فَلَا تَجِدُ فِي الْغَالِبِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ وَلَا مَنْ يُعِينُ عَلَى زَوَالِهِ، أَوْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، أَوْ مُحَرَّمٌ. فَإِنْ قِيلَ إنَّ مَنْ تَرَحَّمَ عَلَى الْقُبُورِ اشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي تَرَحُّمِهِ مَنْ كَانَ خَلْفَ بُنْيَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَصْدَ الزَّائِرِ أَوْ الْمَارِّ التَّرَحُّمُ عَلَى مَنْ مَرَّ بِهِمْ وَمَنْ رَآهُمْ مِنْ الْقُبُورِ. وَأَمَّا مَنْ هُوَ خَلْفَ حِجَابٍ وَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>