للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْضِ بُقْعَةٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا ثَلَاثًا» انْتَهَى. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى مَا احْتَوَى عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ وَالْأَسْرَارِ الْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَدِينَةَ بِحُلُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا حَصَلَتْ لَهَا هَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ الْعُظْمَى. أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَابَ قَوْلَ الْقَائِلِ بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ.

بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِئْسَمَا قُلْت فَمَفْهُومُهُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرُ مَضْجَعِ الْمُؤْمِنِ. ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِجَوَابِهِ حِينَ قَالَ الرَّجُلُ إنَّمَا أَرَدْت الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَلَا مِثْلَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَقَدْ جَاءَ فِي الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩] {فَرِحِينَ} [آل عمران: ١٧٠] الْآيَةَ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ» وَفَضَائِلُهُ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ مَشْهُورَةٌ. ثُمَّ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَضَّلَ الدَّفْنَ فِيهَا لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ وَلِغَيْرِهِ عَلَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْخُصُوصِيَّةِ الْعُظْمَى. هَذَا، وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ظَهْرِهَا فَكَيْفَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ فِي جَوْفِهَا {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُحْصَرَ فَضِيلَةُ ذَلِكَ وَلَا يُقَدَّرُ قَدْرُهَا. وَمِنْ الْمُوَطَّأِ أَنَّ مَوْلَاةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَتْهُ فِي الْفِتْنَةِ فَقَالَتْ إنِّي أَرَدْت الْخُرُوجَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ اشْتَدَّ عَلَيْنَا الزَّمَانُ فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ اُقْعُدِي لَكَاعِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا، أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» انْتَهَى. قَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ هُوَ شَكٌّ مِنْ الْمُحَدِّثِ وَلَأْوَاؤُهَا هُوَ الْجُوعُ وَالشِّدَّةُ وَتَعَذُّرُ الْكَسْبِ وَالشِّدَّةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا اللَّأْوَاءَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا كُلَّ مَا يَشْتَدُّ بِسَاكِنِهَا وَتَعْظُمُ مَضَرَّتُهُ وَقَوْلُهُ شَفِيعًا الشَّفَاعَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>