شِرَاؤُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ جِزَافًا ابْتِدَاءً فَيُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ وَإِنْ لَمْ يَزِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِغْرَفَةَ الَّتِي بِيَدِهِ يَعْلَمُ بِهَا مِقْدَارَهُ وَزْنًا فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ جِزَافًا ابْتِدَاءً اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَغْرِفَ لَهُ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ
وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُ لَحْمِ السَّمِيطِ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَالشِّوَاءُ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا} [الأنعام: ١٤٥] قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] لَتَتَبَّعَ النَّاسُ مَا فِي الْعُرُوقِ مِنْ الدَّمِ وَلَقَدْ كُنَّا نَطْبُخُ الْبُرْمَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الصُّفْرَةَ لَتَعْلُوَهَا مِنْ الدَّمِ انْتَهَى. تَعْنِي بِتِلْكَ الصُّفْرَةِ فَضْلَةَ مَا فِي الْعُرُوقِ مِنْ الدَّمِ وَهُوَ غَيْرُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَهُمْ الْيَوْمَ يَذْبَحُونَ فَيَخْرُجُ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ فَتَتَخَبَّطُ الذَّبِيحَةُ فِيهِ وَيَمْتَلِئُ رَأْسُهَا وَبَعْضُ جِلْدِهَا.
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُمْ ذَبَائِحُ جُمْلَةٌ أَلْقَوْا ذَلِكَ فِي دَسْتٍ وَاحِدٍ فِيهِ مَاءٌ يَغْلِي فَيَحِلُّ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ فِيهِ فَيَصِيرُ الْمَاءُ كُلَّهُ كَأَنَّهُ دَمٌ عَبِيطٌ وَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَكَيْ يُنْتَفَ لَهُمْ الصُّوفُ وَهُوَ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَمْتَلِئَ الْأَعْضَاءُ الْبَاطِنَةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَتَسْرِي النَّجَاسَةُ إلَى بَاطِنِ الذَّبِيحَةِ مَعَ أَنَّ حَلْقَهَا مَفْتُوحٌ وَدُبُرَهَا فَتَدْخُلُ النَّجَاسَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَتَخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ فَإِذَا أَخَذُوا الصُّوفَ وَعَلَّقُوا الذَّبِيحَةَ فِي مَوْضِعٍ وَقَدْ تَمَكَّنَتْ النَّجَاسَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا مِنْهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَيُطَهِّرُونَهَا عَلَى زَعْمِهِمْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَتُمَسُّ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَتَجْمُدُ فِي بَاطِنِ الذَّبِيحَةِ وَالْمَسَامِّ فَيَبْقَى مُتَنَجِّسًا فِي الشَّاهِدِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْهُ ثُمَّ يُخْرِجُونَ ذَلِكَ إلَى سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَيَبِيعُونَهُ فِيهِ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ مِنْ تِلْكَ النَّجَاسَاتِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي يَغْسِلُونَهُ بِهِ مَاءً قَرَاحًا لَكَانَ فِيهِ شَبَهُ مَا فِي التَّطْهِيرِ فَكَيْفَ وَالْمَاءُ الَّذِي يَغْسِلُونَهُ بِهِ فِي الْغَالِبِ تَرَاهُ مُتَغَيِّرًا مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا.
وَالشِّوَاءُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَمِيطٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ أَوْ يَبِيعَهُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute