للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَهْمَا ظَفِرَ بِشَيْءٍ مِمَّا نَوَاهُ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهِيَةٍ لِلشَّرْعِ فِي فِعْلِهِ فَلْيُبَادِرْ إلَيْهِ.

وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ تَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ كَانَ الْأَوْلَى بِهِ وَالْأَفْضَلُ تَرْكَ النِّيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَاهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ دَخَلَ إذْ ذَاكَ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] فَتَكُونُ نِيَّتُهُ تُحَصِّلُهُ فِي هَذَا الْمَقْتِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا تُنَمِّي هَذِهِ الطَّائِفَةُ أَعْمَالَهَا لِاهْتِبَالِهِمْ بِأَمْرِ دِينِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ فِيهِ فَإِذَا ظَفِرُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يَتْرُكُوهُ فَيَحْصُلُ لَهُمْ أَجْرُ النِّيَّةِ وَالْعَمَلُ وَمَا لَمْ يَحْصُلْ حَصَلَ لَهُمْ أَجْرُ النِّيَّةِ.

وَقَدْ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْقَعَ اللَّهُ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ» انْتَهَى فَلَا يَزَالُونَ فِي خَيْرٍ دَائِمٍ وَأُجُورٍ مُتَزَايِدَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْهُو حِينَ الْفِعْلِ أَوْ يَفْعَلُهُ بِنِيَّةٍ فَاسِدَةٍ أَوْ يَفْعَلُهُ وَلَهُ فِيهِ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ.

كَتَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اعْلَمْ يَا عُمَرُ أَنَّ عَوْنَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ بِقَدْرِ النِّيَّةِ فَمَنْ ثَبَتَتْ نِيَّتُهُ تَمَّ عَوْنُ اللَّهِ لَهُ وَمَنْ قَصُرَتْ عَنْهُ نِيَّتُهُ قَصُرَ عَنْهُ عَوْنُ اللَّهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَكَتَبَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ إلَى أَخِيهِ أَخْلِصْ النِّيَّةَ فِي أَعْمَالِك يَكْفِك قَلِيلُ الْعَمَلِ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: مَنْ لَمْ يَهْتَدِ إلَى النِّيَّةِ بِنَفْسِهِ فَلْيَصْحَبْ مَنْ يُعَلِّمُهُ حُسْنَ النِّيَّةِ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ يُمْنُ بْنُ رِزْقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: نَظَرْت فِي هَذَا الْأَمْرِ فَلَمْ يَأْتِنَا إلَّا مِنْ قِبَلِ الْغَفْلَةِ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنِّي نَظَرْت فَوَجَدْت الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا حَرَكَةٌ وَإِمَّا سُكُونٌ وَكِلَاهُمَا عَمَلٌ انْتَهَى كَلَامُهُ بِالْمَعْنَى، فَإِنْ تَحَرَّكَ الْإِنْسَانُ أَوْ سَكَنَ سَاهِيًا أَوْ غَافِلًا كَانَ ذَلِكَ عَمَلًا عَارِيًّا عَنْ النِّيَّةِ فَيَخْرُجُ أَنْ يَكُونَ عَمَلًا شَرْعِيًّا لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَعُلِمَ تَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ مَنْزِلَةً وَأَكْثَرَهُمْ خَيْرًا وَبَرَكَةً الْوَاقِفُ مَعَ نِيَّتِهِ فِي حَرَكَتِهِ وَسُكُونِهِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِنَا وَخِيَارِ مَنْ تَقَدَّمَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>