اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ.
يُبَيِّنُ هَذَا وَيَزِيدُهُ إيضَاحًا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْقُوتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ بِدْعَةٍ رَأَيْت بُلْت الدَّمَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بُلْتُهُ أَصْفَرَ ثُمَّ تَغَيَّرَ الْأَمْرُ إلَى الْعَادَةِ أَوْ كَمَا قَالَ فَلِقُوَّةِ الْإِيمَانِ إذْ ذَاكَ عِنْدَهُ وَمُبَاشَرَةِ مَا لَمْ يَعْهَدْهُ مِنْ السُّنَّةِ قَوِيَ انْزِعَاجُ تِلْكَ النَّفْسِ الطَّاهِرَةِ حَتَّى تَغَيَّرَ مِزَاجُهُ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي مَائِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَطِبَّاءَ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى مَا بِالْمَرِيضِ مِنْ الشِّكَايَةِ بِالنَّظَرِ إلَى مَائِهِ فَلَمَّا أَنْ اسْتَمَرَّ أَمْرُ تِلْكَ الْبِدْعَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَغْيِيرِهَا لِلْأُمُورِ الْمَانِعَةِ لَهُ فِي وَقْتِهِ تَغَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ الِانْزِعَاجُ الْأَوَّلُ لِاسْتِئْنَاسِ النَّفْسِ بِالْعَوَائِدِ وَبَقِيَ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ التَّغْيِيرِ بِالْقَلْبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ بِدْعَةٍ هِيَ الَّتِي بَالَ مِنْهَا هَذَا السَّيِّدُ الدَّمَ ثُمَّ سَكَنَ أَمْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَعَلَّهَا مَا حَدَثَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُنْخُلِ أَوْ الْأُشْنَانِ أَوْ الْخِوَانِ أَوْ مَا يُشَاكِلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي زَمَانِهِمْ.
أَمَّا زَمَانُنَا هَذَا فَمَعَاذَ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ إلَّا رَاجِعٌ لِمَا قَالَ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَقَدْ أَحْسَنَ فِيهِ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ أَعْنِي مِمَّا رَأَى هَذَا السَّيِّدُ الْعَظِيمُ، وَهُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ الْبِدْعَةِ رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْت عَلَيْهِ النَّاسَ إلَّا النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ فَانْظُرْ كَيْفَ وَقَعَ مِنْهُ الْإِنْكَارُ لِكُلِّ أَفْعَالِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْأَذَانِ؟ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتَحَ الْكَلَامَ فِي طَرِيقِ الْقَوْمِ، وَهُوَ رَضِيعُ إحْدَى زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا انْصَرَفَ النَّاسُ عَنْهَا مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَجَدُوهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ يَبْكِي فَسُئِلَ مِمَّ بُكَاؤُك؟ فَقَالَ: وَمَالِي لَا أَبْكِي وَمَا أَعْرِفُ لَكُمْ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْت عَلَيْهِ النَّاسَ إلَّا الْقِبْلَةَ هَذَا فِي زَمَانِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَمَا بَالُك وَظَنُّك بِزَمَانِنَا هَذَا وَمَسَاجِدِنَا هَذِهِ؟ لَكِنْ قَدْ أَخْبَرَ الشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فَكَانَ كَمَا قَالَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَيْفَ بِك يَا حُذَيْفَةُ إذَا تَرَكْت بِدْعَةً قَالُوا: تَرَكَ سُنَّةً» ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute