للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي قِيَامِ اللَّيْلِ سِيَّمَا إنْ كَانَ فِي الثُّلُثِ الْآخِرِ مِنْهُ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْبَرَكَاتِ، وَالْخَيْرَاتِ.

أَلَا تَرَى إلَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي الثُّلُثِ الْآخِرِ مِنْ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟» إلَخْ، وَمَعْنَى النُّزُولِ هَاهُنَا نُزُولُ طَوْلٍ وَمَنٍّ، وَتَفَضُّلٍ، وَكَرَمٍ عَلَى عِبَادِهِ، لَا نُزُولُ انْتِقَالٍ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَفِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ الْفَوَائِدِ جُمْلَةٌ، فَلَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَفُوتَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَمِنْهَا:

أَنْ يَحُطَّ الذُّنُوبَ كَمَا يَحُطُّ الرِّيحُ الْعَاصِفُ الْوَرَقَ الْيَابِسَ مِنْ الشَّجَرَةِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يُنَوِّرُ الْقَلْبَ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحَسِّنُ الْوَجْهَ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُذْهِبُ الْكَسَلَ، وَيُنَشِّطُ الْبَدَنَ.

الْخَامِسُ: أَنَّ مَوْضِعَهُ تَرَاهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ السَّمَاءِ كَمَا يَتَرَاءَى الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ لَنَا فِي السَّمَاءِ.

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ بِلَالٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ قَالَا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ» .

وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ» ، وَلَعَلَّك تَقُولُ: إنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ إنْ فَعَلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ تَعَطَّلَتْ عَلَيْهِ وَظَائِفُهُ مِنْ الدَّرْسِ، وَالْمُطَالَعَةِ، وَالْبَحْثِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ نَفْحَةً مِنْ هَذِهِ النَّفَحَاتِ تَعُودُ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ بِالْبَرَكَاتِ، وَالْأَنْوَارِ، وَالتُّحَفِ مَا قَدْ يَعْجِزُ الْوَاصِفُ عَنْ وَصْفِهِ، وَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ أَضْعَافُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ، مَعَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ عَزِيزٌ قَلَّ أَنْ يَقَعَ إلَّا لِلْمُعْتَنِي بِهِ، وَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ إنَّمَا هُمَا وَسِيلَتَانِ لِمِثْلِ هَذِهِ النَّفَحَاتِ.

وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللَّهِ» انْتَهَى.

وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِيمَا حَكَاهُ الْبَاجِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ عَادَةَ السَّلَفِ مَضَتْ عَلَى فِعْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ طُولَ السَّنَةِ فِي الْبُيُوتِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>