للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبَعٌ لَهُ، وَفِي حُكْمِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا يَفْعَلُ أَيْضًا بِمَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ الْمُتَوَاتِرَةِ كَالضَّحِكِ، وَالنُّزُولِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تُكْرَهْ رِوَايَتُهَا لِتَوَاتُرِ الْآثَارِ بِهَا انْتَهَى.

أَمَّا الضَّحِكُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَصْدُرُ مِنْ الْمُتَّصِفِ بِذَلِكَ مِنَّا مِنْ الرِّضَا، وَالْإِحْسَانِ، وَأَمَّا النُّزُولُ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا كُلِّهَا فِي اقْتِضَاءِ ظَاهِرِهَا التَّشْبِيهَ، وَإِمْكَانِ تَأْوِيلِهَا كُلِّهَا عَلَى مَا يَنْتَفِي بِهِ تَشْبِيهُ اللَّهِ عَزَّ، وَجَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَقْرَبَهَا كُلِّهَا أَنَّ عَرْشَ الرَّحْمَنِ قَدْ اهْتَزَّ لِمَوْتِ سَعْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَرْشَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا تَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ وَالِاهْتِزَازُ، وَإِضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى التَّشْرِيفِ لَهُ كَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ، وَحَرَمُهُ لَا أَنَّهُ مَحَلٌّ لَهُ، وَمَوْضِعٌ لِاسْتِقْرَارِهِ، إذْ لَيْسَ فِي مَكَان فَقَدْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ الْمَكَانُ فَلَا يَلْحَقُهُ عَزَّ وَجَلَّ بِاهْتِزَازِ عَرْشِهِ مَا يَلْحَقُ مَنْ اهْتَزَّ عَرْشُهُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ مِنْ تَحَرُّكِهِ بِحَرَكَتِهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَجَازًا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِتَحْرِيكِ الْعَرْشِ حَرَكَةَ حَمَلَتِهِ اسْتِبْشَارًا وَفَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِهِ، وَهَذَا جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: اهْتَزَّ الْمَجْلِسُ بِقُدُومِ فُلَانٍ عَلَيْهِ أَيْ اهْتَزَّ أَهْلُهُ لِقُدُومِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] يُرِيدُ أَهْلَهَا، وَمِثْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحُدٌ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا، وَنُحِبُّهُ» أَيْ: يُحِبُّنَا أَهْلُهُ وَنُحِبُّهُمْ، وَأَمَّا حَدِيثُ السَّاقِ فَلَمْ يُضَفْ السَّاقُ فِيهَا إلَى أَحَدٍ، وَمَعْنَاهُ عَنْ شِدَّةٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعْنَى شِدَّةِ الْأَمْرِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَقَامَتْ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ

، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: ٤٢] أَيْ عَنْ شِدَّةٍ مِنْ الْأَمْرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة: ٢٩] أَيْ الْتَفَّتْ سَاقُ الدُّنْيَا بِسَاقِ الْآخِرَةِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَعْنَاهُ أَمْرُ الدُّنْيَا بِأَمْرِ الْآخِرَةِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْمَالُ الدُّنْيَا بِمُحَاسَبَةِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» فَإِنَّهُ حَدِيثٌ يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>