للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ: أَنَّ فَائِدَةَ الْحَدِيثِ تَكْذِيبُ الْقَدَرِيَّةِ فِيمَا زَعَمَتْ مِنْ أَنَّ صِفَاتِ آدَمَ مِنْهَا مَا خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْهَا مَا خَلَقَهَا آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِنَفْسِهِ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَكْذِيبِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى جَمِيعِ صُورَتِهِ، وَصِفَتِهِ، وَمَعَانِيهِ، وَأَعْرَاضِهِ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: عَرِّفْنِي هَذَا الْأَمْرَ عَلَى صُورَتِهِ إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاسْتِقْصَاءِ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي جَاءَتْ، وَهِيَ: أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّقْلِ لَا يُصَحِّحُ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ، وَأَنَّ الرَّاوِيَ سَاقَ الْحَدِيثَ عَلَى مَا ظَنَّهُ مِنْ مَعْنَاهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ تَشْرِيفٍ عَلَى طَرِيقِ التَّنْوِيهِ بِذِكْرِ الْمُضَافِ، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: ١٣] فَإِنَّهَا إضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ تُفِيدُ التَّحْذِيرَ، وَالرَّدْعَ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: ٢٩] وقَوْله تَعَالَى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣] ، وَقَوْلُ النَّاسِ: الْكَعْبَةُ بَيْتُ اللَّهِ، وَالْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ.

فَشَرُفَتْ صُورَةُ آدَمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ اخْتَرَعَهَا، وَخَلَقَهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ انْتَهَى.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطُّ قَطُّ وَعِزَّتِك، وَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ» ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ وُجُوهًا عِدَّةً فَمِنْهَا أَنَّ الْكَافِرَ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسَمَّى قَدَمًا، وَالنَّارُ مَوْعُودَةٌ بِهِمْ، فَإِنْ لَمْ تُحَصِّلْهُمْ فِي جَوْفِهَا بَقِيَتْ مَلْهُوفَةً عَلَيْهِمْ كَمَا هِيَ الْأُمُّ حِينَ تَفْقِدُ أَوْلَادَهَا، فَإِذَا حَصَلُوا فِي جَوْفِهَا تَقُولُ: قَطُّ قَطُّ أَيْ حَسْبِي حَسْبِي؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَخَذَتْ أَوْلَادَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: ٩] ، وَالْهَاوِيَةُ: اسْمٌ لِإِحْدَى طَبَقَاتِ النَّارِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ جَمِيعِ دَرَكَاتِهَا بِنُورِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ الْحَقِيرَ التَّافِهَ الَّذِي لَا يُبَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>