للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَالِبُ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَى الْحَمَّامِ فِي كُلِّ أَوَانٍ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بَرِيءُ الذِّمَّةِ مِنْ جِهَةِ أَهْلِهِ فِي تَرْكِهِنَّ الصَّلَاةَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَمَرَهُنَّ بِهَا فَأَمْرٌ مُطْلَقٌ إذْ لَا يُفَكِّرُ لَهُنَّ فِي تَحْصِيلِ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُنَّ، وَالْغَالِبُ أَنَّ تَرْكَ صَلَاةِ الزَّوْجَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَتِهَا، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي الْغَالِبِ أَعْنِي الْغَفْلَةَ عَنْهَا، وَإِيثَارَهَا لِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهَا فِي الْبَيْتِ مَا يُمْكِنُهَا الْغُسْلُ فِيهِ لَكِنْ تَسْتَحِي مِنْ الْعَائِلَةِ الَّتِي فِي الْبَيْتِ أَنْ تَغْتَسِلَ، وَهُمْ يَشْعُرُونَ بِهَا فَتَتْرُكَ الصَّلَاةَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَلَا حَيَاءَ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَوَائِدُ جَرَتْ، وَاسْتَحْكَمَتْ، وَصَارَ يُسْتَحَى فِي الْغَالِبِ مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَا يُسْتَحَى مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ، عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

وَالْعَجَبُ مِنْ أَكْثَرِهِمْ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَشْتَرِي الدَّارَ بِالْأَلْفِ، أَوْ يَبْنِيهَا ابْتِدَاءً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِي طَسْتٍ، وَلَا يَعْمَلُ مَوْضِعًا لِلْوُضُوءِ فَضْلًا عَنْ مَوْضِعِ الْغُسْلِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَجْلِ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ الْمُسْتَهْجَنَةِ الْقَبِيحَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا فِكْرَةَ لَهُمْ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي صَلَاحِ دُنْيَاهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَلَا يُفَكِّرُونَ فِيهِ حَتَّى يَفْجَأَهُمْ إنْ كَانُوا مُتَّقِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنْ أَصَابَتْ الْجَنَابَةُ بَعْضَ الْمُتَحَفِّظِينَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ خَرَجَ إلَى الْحَمَّامِ، وَتَرَكَ أَهْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الْحَمَّامِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَشْيَاءُ مُتَعَدِّدَةٌ.

وَكَذَلِكَ تَجِدُ بَعْضَهُمْ يُعْطِي فِي صَدَاقِ الْمَرْأَةِ الْمِئِينَ، أَوْ الْآلَافَ، وَلَا يُعِدُّ مَوْضِعًا لِلْغُسْلِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُسَاعِدُهُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى فِعْلِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُتْرَكُ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهَا، وَالصَّلَاةُ لَا تَسْقُطُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا جَرَمَ أَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا قَلَّ أَنْ يَقَعَ، وَإِنْ دَامَتْ الْأُلْفَةُ بَيْنَهُمَا فَعَلَى دَخَنٍ، وَإِنْ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا مَوْلُودٌ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِ إنْ نَشَأَ الْعُقُوقُ، وَارْتِكَابُ مَا لَا يَنْبَغِي كُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَرْكِ مُرَاعَاةِ مَا يَجِبُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمَا مَعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ طَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>