للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفْخَرَ ثِيَابِهَا، وَأَنْفَسَ حُلِيِّهَا فَتَلْبَسُهُ حِينَ فَرَاغِهَا مِنْ الْغُسْلِ فِي الْحَمَّامِ حَتَّى يَرَاهَا غَيْرُهَا فَتَقَعُ بِذَلِكَ الْمُفَاخَرَةُ، وَالْمُبَاهَاةُ، وَقَلَّ أَنْ تَقْنَعَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَرَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ زَوْجِهَا إلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ، أَوْ مَا يُقَارِبُهُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لِزَوْجِهَا قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَتَنْشَأُ الْمَفَاسِدُ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفِرَاقِ، أَوْ الْإِقَامَةِ عَلَى شَنَآنٍ بَيْنَهُمَا لِطُولِ الْمُدَّةِ.

هَذَا حَالُ غَالِبِهِنَّ، وَذَلِكَ ضِدُّ مَقْصُودِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فِي الْأُلْفَةِ، وَالْوُدِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: ٢١] ، وَفِي دُخُولِ الْحَمَّامِ مَفَاسِدُ جُمْلَةً، وَفِيمَا ذُكِرَ غُنْيَةٌ عَنْ ذِكْرِ بَاقِيهَا، وَهِيَ بَيِّنَةٌ عِنْدَ الْمُتَأَمِّلِ إنْ عَرَضَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الْعِلْمِ فَيَتَبَيَّنُ لَهُ مَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ

فَإِنْ قَالَ مَثَلًا: الْغُسْلُ فِي الْبَيْتِ يَصْعُبُ عَلَيْهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ فِي خَلْوَةٍ يَعْمَلُهَا فِي الْبَيْتِ مِنْ بَعْضِ مَا يُعْطِي مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ مِنْ ثَمَنِ الْمِلْكِ لَانْسَدَّتْ هَذِهِ الثُّلْمَةُ، فَلَوْ قَالَ أَيْضًا: إنَّ الْغُسْلَ فِي الْبَيْتِ لَا يَكُونُ كَالْحَمَّامِ سِيَّمَا فِي أَيَّامِ الْبَرْدِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَيَّامَ الْبَرْدِ يُمْكِنُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْتَغْنِيَ فِيهَا عَنْ الْغُسْلِ بِالسِّدْرِ، وَمَا شَاكَلَهُ، إذْ أَنَّ أَيَّامَ الْبَرْدِ لَا يَجْتَمِعُ فِيهَا الْوَسَخُ وَلَا الْغُبَارُ كَثِيرًا، فَإِذَا فَرَغَتْ أَيَّامُ الْبَرْدِ كَانَ الْغُسْلُ فِي الْبَيْتِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُهَيَّأِ لَهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَيَكْفِيهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ مِنْ الْحَيْضِ كَمَا تَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُعَلِّمَ زَوْجَتَهُ سُرْعَةَ الْغُسْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ آمَنُ مِمَّا يُتَوَقَّعُ مِنْ الضَّرَرِ بِهَا، وَذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ الْمَاضِيَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ يَوْمًا فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمْ ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ، وَخَرَجَ، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ» فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى سُرْعَةِ غُسْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرْحَمُ الْخَلْقِ بِأُمَّتِهِ، وَأَشْفَقُهُمْ عَلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ زَمَانُ الْغُسْلِ فِيهِ طُولٌ لَأَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ حِينَ ذَكَرَ سِيَّمَا، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِمْ الضَّعِيفُ، وَالشَّيْخُ

<<  <  ج: ص:  >  >>