للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ فَعَلَهُ فَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي حَقِّهِ، وَقَدْحٌ فِي شَهَادَتِهِ.

الْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّ مَاءَ الْحَمَّامِ غَيْرُ مُصَانٍ عَنْ الْأَيْدِي، وَالْغَالِبُ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِيهِ مَنْ لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ النَّجَاسَاتِ مِثْلَ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَصِيرُ الْمَاءُ مُضَافًا فَتَسْلُبُهُ الطُّهُورِيَّةُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ مَاءَ الْحَمَّامِ يُوقَدُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَاتِ، وَالْأَقْذَارِ فَقَدْ يَصِيرُ الْمَاءُ مُضَافًا مِنْ دُخَّانِهَا فَتَسْلُبُهُ الطُّهُورِيَّةُ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا حَالُ أَهْلِ وَقْتِنَا فِي الْغَالِبِ، وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ مَسْتُورُ الْعَوْرَةِ مَعَ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُ الْحَمَّامِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْ هُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، وَيَصُونَ نَظَرَهُ وَسَمْعَهُ، كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاغْتِسَالُ فِي النَّهْرِ، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ ذَلِكَ فِيهِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسَاجِدَ، وَفِيهَا مَا فِيهَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَحْمُولٌ عَلَى زَمَنِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، وَأَمَّا زَمَانُنَا هَذَا فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُجِيزَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ النِّسَاءَ بَادِيَاتُ الْعَوْرَاتِ كُلَّهُنَّ لَيْسَ فِيهِنَّ مَنْ تَسْتَتِرُ، وَالسُّتْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ عَيْبٌ عِنْدَهُنَّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَمَّامُ الرِّجَالِ قَرِيبٌ مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَتْرُكَهُ مَا اسْتَطَاعَ جَهْدُهُ.

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْغُسْلِ فِي النَّهْرِ، وَالدُّخُولِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَفِيهَا مَا فِيهَا، فَغَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا ابْتِدَاءً إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَنَّ شَاطِئَ النَّهْرِ فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ مَا هُوَ مِثْلُ الْحَمَّامِ أَوْ أَعْظَمُ مِنْهُ عَلَى مَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ مِنْ كَشْفِ عَوْرَاتِ النَّوَاتِيَّةِ، وَمَنْ يَفْعَلْ كَفِعْلِهِمْ سِيَّمَا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْبَرْدِ فَذَلِكَ أَكْثَرُ وَأَشْنَعُ لِوُرُودِ النَّاسِ لِلْغُسْلِ، وَغَيْرِهِ، وَقَلَّ مَنْ يَسْتَتِرُ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ لِمُشَاهَدَتِهِ عِيَانًا، وَمَا أَتَى عَلَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ أَلْفَاظَ الْعُلَمَاءِ عَلَى عُرْفِهِمْ فِي زَمَانِهِمْ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ كُلُّ زَمَانٍ يَخْتَصُّ بِعُرْفِهِ، وَعَادَتِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَكَذَلِكَ يَجْرِي هَذَا الْمَعْنَى فِي الْفَسَاقِي الَّتِي فِي الْمَدَارِسِ، وَالرِّبَاطَاتِ، إذْ أَنَّهَا مَحَلُّ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا تَجِدُهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>