عَلَى طَرِيقِ تَأْنِيسِ الْبَشَرِيَّةِ لِأَجْلِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ: إنِّي لَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَمَا لِي إلَيْهِنَّ حَاجَةٌ.
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» فَانْظُرْ إلَى حِكْمَةِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: حُبِّبَ، وَلَمْ يَقُلْ: أَحْبَبْت، وَقَالَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فَأَضَافَهَا إلَيْهِمْ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ حُبُّهُ خَاصًّا بِمَوْلَاهُ عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي الْعَلِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، فَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَشَرِيَّ الظَّاهِرِ مَلَكِيَّ الْبَاطِنِ، فَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَأْتِي إلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ إلَّا تَأْنِيسًا لِأُمَّتِهِ، وَتَشْرِيعًا لَهَا لَا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِلْجَهْلِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الْجَلِيلَةِ، وَالْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ قَالَ الْجَاهِلُ الْمِسْكِينُ {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: ٧] أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: ٥٠] فَقَالَ: {لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: ٥٠] ، وَلَمْ يَقُلْ إنِّي مَلَكٌ، فَلَمْ يَنْفِ الْمَلَكِيَّةَ عَنْهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ أَعْنِي فِي مَعَانِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا فِي ذَاتِهِ الْكَرِيمَةِ، إذْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَلْحَقُ بَشَرِيَّتَهُ مَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ.
وَلِهَذَا قَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي صِفَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هُوَ بَشَرٌ لَيْسَ كَالْأَبْشَارِ كَمَا أَنَّ الْيَاقُوتَ حَجَرٌ لَيْسَ كَالْأَحْجَارِ، وَهَذَا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ لِلْأَفْهَامِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مَلَكِيَّ الْبَاطِنِ، وَمَنْ كَانَ مَلَكِيَّ الْبَاطِنِ مَلَكَ نَفْسَهُ، وَمِنْ هَاهُنَا يُفْهَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا» ؛ لِأَنَّ هَذَا، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ بَابِ التَّأْنِيسِ لِلْأُمَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «إنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute