للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .

وَقِيَامُ رَمَضَانَ فِيهِ الْأَجْرُ ابْتِدَاءً لَكِنْ لَمَّا أَنْ زَادَ هَذَا فِي نِيَّتِهِ إحْضَارَ الْإِيمَانِ وَالِاحْتِسَابِ زِيدَ لَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ مَغْفِرَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَاجِبَةٌ وَالْوَاجِبُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ أَجْرُهُ أَعْظَمُ وَأَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ لَمَّا أَنْ زَادَ هَذَا نِيَّةَ الِاحْتِسَابِ فِي فِعْلِهِ زِيدَ لَهُ عَلَى أَجْرِ الْوَاجِبِ أَجْرُ صَدَقَتِهِ انْتَهَى.

وَإِحْضَارُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْفِعْلَ يَسْتَحْضِرُ الْإِيمَانَ إذْ ذَاكَ، وَأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ مُنْقَادًا مُطِيعًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَا مُجْبَرًا وَلَا مُسْتَحِيًا، بَلْ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ لَيْسَ إلَّا وَالِاحْتِسَابُ أَنْ يَحْتَسِبَ تَعَبَ الْفِعْلِ الَّذِي يَفْعَلُهُ وَمَشَقَّتَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ عِوَضٍ يَأْخُذُهُ أَوْ ثَنَاءٍ أَوْ مِدْحَةٍ أَوْ مَظْلِمَةٍ تَرْتَفِعُ عَنْهُ أَوْ يُرْجَعُ إلَيْهِ أَوْ يُسْمَعُ قَوْلُهُ أَوْ إشَارَتُهُ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ خَالِصًا لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُرِيدُ بِهِ بَدَلًا فَإِذَا فَعَلَ الْفِعْلَ الَّذِي يَفْعَلُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا التَّرْتِيبِ فَقَدْ أَتَى بِالْمَقْصُودِ وَالْمُرَادِ، وَقَدْ كَمَّلَ النِّيَّةَ وَأَتَمَّهَا وَنَمَّاهَا فَيُرْجَى لَهُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَا وَعَدَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا} [النساء: ١٢٢] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: ٨٧] وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُطَّرِدَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا وَاجِبِهَا وَمَنْدُوبِهَا وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: كُلُّ مَا ذَكَرْته مُتَعَذِّرٌ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ يَحْتَاجُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ النَّاسِ أَرْبَابُ ضَرُورَاتٍ فَلَا يُمَكِّنُهُمْ الْوُقُوفُ لِمُرَاعَاةِ مَا ذُكِرَ فَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَأْنِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ.

قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَرَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِثَغْرِ عَسْقَلَانَ: سَمِعْت إمَامَ الْحَرَمَيْنِ يَقُولُ يُحْضِرُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ النِّيَّةَ وَيُجَرِّدُ النَّظَرَ فِي الصَّانِعِ وَحُدُوثِ الْعَالَمِ حَتَّى يَنْتَهِيَ نَظَرُهُ إلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>