للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفَّقَهُ اللَّهُ زَجْرُهُمْ عَنْهُ وَتَعْزِيرُهُمْ وَاسْتِتَابَتُهُمْ، وَيَجِبُ إنْكَارُهُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ تَمَكَّنَ مِنْ إنْكَارِهِ انْتَهَى.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ مَنْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ تُمْنَعُ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ كَانَتْ سَالِمَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، وَهَذَا الَّذِي خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد يُقَوِّيهِ عَمَلُ السَّلَفِ الْمُتَّصِلُ، بَلْ لَوْ انْفَرَدَ الْعَمَلُ لَكَانَ كَافِيًا فِي مَنْعِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، ثُمَّ إنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ وَدَفْنَهُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ وَصَلَاتِهِ إنْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَيَنْتَظِرُونَ بِهِ انْقِضَاءَ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَكُونُ، وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ أَنَّ «مِنْ إكْرَامِ الْمَيِّتِ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ» .

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِمَّنْ كَانَ يُحَافِظُ عَلَى السُّنَّةِ إذَا جَاءُوا بِالْمَيِّتِ إلَى الْمَسْجِدِ، صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى دَفْنِهِ وَيُعَلِّمَهُمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ سَاقِطَةٌ عَنْهُمْ إنْ لَمْ يُدْرِكُوهَا بَعْدَ دَفْنِهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا عَنْ نَفْسِهِ عَلَى مُحَافَظَتِهِ عَلَى السُّنَّةِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الْبِدْعَةِ، فَلَوْ كَانَ الْعُلَمَاءُ مَاشِينَ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ هَذَا السَّيِّدُ لَانْسَدَّتْ هَذِهِ الثُّلْمَةُ الَّتِي وَقَعَتْ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ شَيْئًا سَكَتَ لَهُ عَلَيْهِ فَتَزَايَدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

ثُمَّ إنَّ مَعَ مَا ذُكِرَ تَرَتَّبَتْ مَفَاسِدُ عَلَى كَوْنِ الْمَيِّتِ يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى بَعْضِهِمْ يَأْتُونَ بِالْمَيِّتِ إلَى الْمَسْجِدِ فِي زِحَامٍ مِنْ الْوَقْتِ فَيَجِدُونَ الْمَسْجِدَ قَدْ امْتَلَأَ بِالنَّاسِ، فَيَدْخُلُ الْحَامِلُونَ لَهُ وَهُمْ حُفَاةٌ قَدْ مَشَوْا بِأَقْدَامِهِمْ عَلَى النَّجَاسَاتِ عَلَى مَا يُعْلَمُ فِي الطُّرُقَاتِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْسَحُوا أَقْدَامَهُمْ أَوْ يَحُكُّوهَا بِالْأَرْضِ فَيَتَخَطَّوْنَ رِقَابَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْأَقْدَامِ وَيَمْشُونَ بِهَا عَلَى ثِيَابِهِمْ، وَقَدْ يَتَنَجَّسُ بَعْضُ الْمَسْجِدِ وَثِيَابُ مَنْ مَشَوْا عَلَيْهِ بِذَلِكَ.

وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ النَّصُّ مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فِي فَاعِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>