للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ إلَى الْمِائَةِ وَيَعُدُّهُ سَرَفًا فِيمَا جَاوَزَهَا انْتَهَى.

فَعَلَى هَذَا فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْحَادِثَةِ بَعْدَهُمْ اللَّهُمَّ إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ دَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَقَدْ خَرَجَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إلَى بَابِ الْجَائِزِ أَوْ الْمَنْدُوبِ أَوْ الْوَاجِبِ بِحَسَبِ الْحَالِ. فَإِذَا نَبَّهَ الْإِمَامُ عَلَى هَذَا وَحَضَّ عَلَى فِعْلِهِ وَقَبَّحَ تَرْكَهُ تَنَبَّهَ النَّاسُ لِمَا ارْتَكَبُوهُ فَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا أَوْ بَعْضُهُمْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَيَنْهَى النَّاسَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ الرُّكُوعِ بَعْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى قِسْمَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَرْكَعُ حِينَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَصْعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا جَلَسَ عَلَيْهِ قَطَعُوا تَنَفُّلَهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَرْكَعُ وَيَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَلَمْ يُحْدِثُوا رُكُوعًا بَعْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَلَا غَيْرِهِ فَلَا الْمُتَنَفِّلُ يَعِيبُ عَلَى الْجَالِسِ وَلَا الْجَالِسُ يَعِيبُ عَلَى الْمُتَنَفِّلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا هُمْ الْيَوْمَ يَفْعَلُونَهُ فَإِنَّهُمْ يَجْلِسُونَ حَتَّى إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَامُوا لِلرُّكُوعِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا وَقْتٌ يَجُوزُ فِيهِ الرُّكُوعُ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ قَالَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ» . فَالْجَوَابُ أَنَّ السَّلَفَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَفْقَهُ بِالْحَالِ وَأَعْرَفُ بِالْمَقَالِ فَمَا يَسَعُنَا إلَّا اتِّبَاعُهُمْ فِيمَا فَعَلُوهُ وَهَذَا عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ اتِّبَاعَ السَّلَفِ أَوْلَى، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ الرُّكُوعُ إنَّمَا هُوَ لِلْجُمُعَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي هَذَا مَا كَانَ السَّلَفُ يَفْعَلُونَهُ مِنْ رُكُوعِهِمْ الْمُتَقَدِّمُ. أَلَا تَرَى أَنَّ وَقْتَ الْجُمُعَةِ قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَوْ مِنْ الزَّوَالِ فَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي جَمَاعَةٍ إلَى أَنَّهُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَإِذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي وَقْتِهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا تَأَكَّدَ الِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَعَلَى مَا قَرَّرْتُمُوهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ رَكَعَ وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَرْكَعُ وَهَذَا جَائِزٌ فَكَيْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>