قُرَّاؤُهُ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ تُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ وَيُقَصِّرُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ يَبْدَءُونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ» فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِمَا وَرَدَ أَنَّ طُولَ الصَّلَاةِ وَقِصَرَ الْخُطْبَةِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ فَلْيُتَحَفَّظْ عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْأُصُولِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ.
وَأَمَّا تَرَضِّي الْخَطِيبِ فِي خُطْبَتِهِ عَنْ الْخُلَفَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَبَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ وَبَاقِي الصَّحَابَةِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَعِتْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَنْدُوبِ لَا مِنْ بَابِ الْبِدْعَةِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَلَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَكِنْ فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَمْرٍ كَانَ وَقَعَ قَبْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ بَنِي أُمَيَّةَ كَانُوا يَسُبُّونَ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - عَلَى الْمَنَابِرِ فِي خُطْبَتِهِمْ، فَلَمَّا أَنْ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبْدَلَ مَكَانَ ذَلِكَ التَّرَضِّي عَنْهُمْ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَقِّهِ هُوَ إمَامُ هُدًى وَأَنَا أَقْتَدِي بِهِ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى حَالِ خُشُوعٍ وَتَضَرُّعٍ لِأَنَّهُ يَعِظُ النَّاسَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَوْعِظَةِ حُصُولُ الْخُشُوعِ وَالرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِاتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ وَالْخَوْفِ مِمَّا أَوْعَدَ بِهِ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ فِيمَا وَعَدَ بِهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِذَا كَانَ الْخَطِيبُ مُسْتَعْمِلًا فِي نَفْسِهِ مَا ذَكَرَ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى قَبُولِ مَا يُلْقِيهِ إلَى السَّامِعِينَ لِاتِّصَافِهِ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُؤَذِّنِ إذَا أَذَّنَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ لِيُبَادِرَ لَفِعْلِ مَا نَادَى إلَيْهِ أَوَّلًا فَيَكُونَ أَدْعَى إلَى صَدْعِ الْقُلُوبِ لِأَنَّ الْعِلْمَ إذَا خَرَجَ مِنْ عَامِلٍ تَشَبَّثَ بِالْقُلُوبِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ انْسَابَ عَنْ الْقُلُوبِ عَلَى مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَجَنَّبُ فِي خُطْبَتِهِ التَّصَنُّعَ لِأَنَّ التَّصَنُّعَ إذَا وَقَعَ فَهُوَ الدَّاءُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ فِي الْغَالِبِ إذْ إنَّهُ يُشْبِهُ النِّفَاقَ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ بِعَيْنِهِ إذْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute