للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَلَاتَهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ الْخُشُوعُ وَالْحُضُورُ فِيهَا فَيُمَثِّلُ نَفْسَهُ أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ يُخَاطِبُهُ وَيُنَاجِيهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْقِرَاءَةِ فَهُوَ يَسْمَعُ كَلَامَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا مِنْ دُعَاءٍ أَوْ ذِكْرٍ فَهُوَ يُنَاجِي مَوْلَاهُ بِدُعَائِهِ وَيَذْكُرُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَوْلَى الْعَلِيمُ يَسْمَعُهُ إذْ إنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أَعْنِي بِالْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ فَتَخْشَعُ جَوَارِحُهُ كُلُّهَا انْقِيَادًا مِنْهَا لِمَا حَصَلَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخُشُوعِ، وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ خُشُوعِ جَوَارِحِهِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْجَوَارِحِ الْبَاطِنَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ تُرْفَعُ عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ هُوَ الْإِمَامُ إذْ إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَهُمْ وَبِحُصُولِ هَذِهِ الصِّفَةِ تَزْكُو صَلَاتُهُ وَيَعُودُ مِنْ بَرَكَاتِهَا عَلَى الْحَاضِرِينَ مَعَهُ فَيَعْمَلُ عَلَى تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَزِيَّةِ جَهْدَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَنْ يَلِيَ الْإِمَامَ مِنْ النَّاسِ أَفْضَلُهُمْ عِلْمًا وَعَمَلًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَى الْإِمَامِ مَا يُوجِبُ الِاسْتِخْلَافَ لَوَجَدَ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِذَلِكَ بِقُرْبِهِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ يَتَكَلَّفُهَا وَهَذِهِ سُنَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ عَلَى مَا كُنْت أَعْهَدُ أَنَّهُ لَا يَسْتُرُ الْإِمَامَ إلَّا مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّقَدُّمِ لِلْإِمَامَةِ فِي الْغَالِبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ وَهَذِهِ خَصْلَةٌ دَائِرَةٌ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فِي الْغَالِبِ فَتَجِدُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ يَسْتُرُ الْإِمَامَ وَتَجِدُ أَهْلَ الْفَضْلِ فِي الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ عَنْهُ وَذَلِكَ بِدْعَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -.

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَسْبِقُ إلَى الْمَسْجِدِ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِيُحَصِّلَ هَذِهِ السُّنَّةَ وَيَخْمِدَ هَذِهِ الْبِدْعَةِ وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِهِ. وَمَا زَالَ الْفُضَلَاءُ وَالْأَكَابِرُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ هُمْ الَّذِينَ يُبَادِرُونَ إلَى الْمَسَاجِدِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>