الْعَالِمِ أَنَّ نِيَّتَهُ تَكُونُ لِإِظْهَارِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى الْمَعْلُومِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَخَذَهُ عَلَى سَبِيلِ أَنَّهُ فُتُوحٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ وَكَذَلِكَ مَا هُنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ. فَيَرْكَبُ الطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى لَا شَرْقِيَّةً وَلَا غَرْبِيَّةً وَيَكُونُ الصِّبْيَانُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُشَرِّفُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَابْنُ الْفَقِيرِ وَابْنُ صَاحِبِ الدُّنْيَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْطَاهُ وَمَنْ مَنَعَهُ إذْ بِهَذَا يَتَبَيَّنُ صِدْقُ حَالِهِ فِيمَا هُوَ بِصَدَدِهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مَنْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِمَّنْ لَمْ يُعْطِهِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي نِيَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَالِمِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمَعْلُومُ فَتَسَخَّطَ وَتَضَجَّرَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ نِيَّتِهِ فَكَذَلِكَ مَا هُنَا بَلْ يَكُونُ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ أَرْجَى عِنْدَهُ مِمَّنْ يُعْطِيه؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ تَمَحَّصَ تَعْلِيمُهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَنْ أَعْطَاهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَشُوبًا بِدَسِيسَةٍ لَا تُعْلَمُ السَّلَامَةُ فِيهِ مَعَهَا وَالسَّلَامَةُ أَوْلَى مَا يَغْتَنِمُ الْمَرْءُ فَيَغْتَنِمُهَا الْعَاقِلُ. فَإِذَا جَلَسَ لِمَا ذُكِرَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبُوحَ بِنِيَّتِهِ لِأَحَدٍ وَلَا يَذْكُرُهَا لَهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ مَعَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُطْلِعُ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النِّيَّةَ لَا يُجْهَرُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ جُهِرَ بِهَا فَقَوْلَانِ هَلْ تُكْرَهُ أَمْ لَا وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - مَعَ كَثْرَةِ مَعْرِفَتِهِمْ لَا يُبَالُونَ أَيْنَ يَضَعُونَهُ فَكَيْفَ بِقَارِئِ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ بِمَنْ انْقَطَعَ لِتَعْلِيمِهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ عَلَى عَكْسِ حَالِ مَنْ تَقَدَّمَ. فَإِذَا تَقَرَّرَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي الْغَالِبِ أَنَّ الْمُعَلِّمَ يُعَلِّمُ كِتَابَ اللَّهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَلَّ مَنْ يُعْطِيه شَيْئًا فَيَجِيءُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُهُ إذَا وَجَدَ الْفَقِيرُ فِي هَذَا الزَّمَانِ قُوتَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ لِأَحَدٍ فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَرَامَاتِ وَكَانَ يُعَلِّلُ ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّ النَّاسَ قَدْ انْقَسَمُوا فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى قِسْمَيْنِ فِي الْغَالِبِ فَمِنْهُمْ مُعْتَقِدٌ وَمِنْهُمْ مُسِيءُ الظَّنِّ فَالْمُسِيءُ الظَّنِّ إنْ لَمْ يَضُرَّك لَا يَنْفَعُك وَالْمُحْسِنُ الظَّنِّ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute