للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ إذَا نَوَى مَا ذُكِرَ فَلْيَجْتَهِدْ فِي التَّعْلِيمِ أَكْثَرَ مِنْ تَعْلِيمِ مَنْ يَأْخُذُ الْعِوَضَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُقْرِئُ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَمَحَّصَ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ أَرْجَى فِي صِحَّةِ إخْلَاصِهِ وَبَعْضُ النَّاسِ يَفْعَلُ ضِدَّ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِأَخْذِ عِوَضٍ بِفِعْلِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْتَوَانِي إنْ تَفَرَّغَ لِذَلِكَ فَعَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ مُحْتَجًّا بِأَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ لِعَدَمِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَيْهِ وَمَا يَشْعُرُ أَنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي أَمْرٍ خَطِرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] وقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ حِرْصُهُ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي نَوَاهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُوفِيَ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ الْعِوَضَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَآخَرَ يُصَلِّي بِعِوَضٍ فَيَكُونُ الَّذِي يُصَلِّي بِلَا عِوَضٍ أَحْرَصَ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ وَالْمُبَادَرَةِ مِنْ الَّذِي يُصَلِّي بِالْعِوَضِ بَلْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى حِرْصًا مِنْهُ عَلَى التَّوْفِيَةِ بِمَا الْتَزَمَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَوْ قَالَ نَوَيْت بِتَعْلِيمِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ قَدَرْت عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَهُ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِ الْبِرِّ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُسْلِمُ فَلْيُحَافِظْ عَلَى ذَلِكَ جَهْدَهُ وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي التَّجَاوُزِ عَنْ التَّقْصِيرِ بِمَنِّهِ وَقَدْ يُضْطَرُّ بَعْضُ الْمُؤَدِّبِينَ إلَى أَخْذِ الْعِوَضِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَهُوَ أَحَلُّ مَا يَأْكُلُهُ الْمَرْءُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَإِذَا أَخَذَ الْعِوَضَ فَلْيَحْتَرِزْ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ جِهَةِ الصَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>