مَعَ الصِّبْيَانِ وَلَا يُبَاسِطُهُمْ لِئَلَّا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى الْوُقُوعِ فِي عِرْضِهِ وَعِرْضِهِمْ وَإِلَى زَوَالِ حُرْمَتِهِ عِنْدَهُمْ إذْ إنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤَدِّبِ أَنْ تَكُونَ حُرْمَتُهُ قَائِمَةً عَلَى الصِّبْيَانِ بِذَلِكَ مَضَتْ عَادَةُ النَّاسِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ فَلْيَهْتَدِ بِهَدْيِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصِّبْيَانَ يَمْضُونَ إلَى بُيُوتِهِمْ لِقَضَاءِ ضَرُورَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَلِغِذَائِهِمْ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ عَوَامِّ الْمُؤَدِّبِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّ الصِّبْيَانَ الَّذِينَ عِنْدَهُ إذَا أَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغِذَائِهِ أَوْ بَعْضُهُمْ فَيَتَسَلَّمُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَبَعْضُهُمْ يَخْلِطُ جَمِيعَ ذَلِكَ ثُمَّ يُعْطِي مِنْهُ مَنْ يَخْطُرُ لَهُ فَتَجِدُ بَعْضَ الصِّبْيَانِ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ غِذَائِهِ فَيَحْرِمُهُ وَيُوَفِّرُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ يَخْتَارُ وَهَذَا حَرَامٌ سُحْتٌ وَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي حَقِّهِ وَيَتَعَيَّنُ إقَامَتُهُ مِنْ الْمَكْتَبِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ بِشَرْطِ أَنْ تُعْلَمَ حَقِيقَةُ أَمْرِهِ فِي ذَلِكَ. وَفِيهِ مِنْ الْمَحْذُورَاتِ عِدَّةٌ. مِنْهَا أَنَّهُ يَأْخُذُ غِذَاءَ هَذَا فَيُعْطِيه لِغَيْرِهِ فَيُدْخِلُ الْخَلَلَ فِي غِذَاءِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَالِدُ بَعْضِهِمْ صَالِحًا مُتَوَرِّعًا فِي كَسْبِهِ وَآخَرُ مَكَّاسًا ظَالِمًا وَقَدْ يَكُونُ غِذَاءُ بَعْضِهِمْ أَحْسَنَ مِنْ غِذَاءِ الْآخَرِ فِي الْمَطْعَمِ وَالصَّبِيُّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَلِيُّهُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ سِيَّمَا إنْ كَانَ لِيَتِيمٍ فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَأْذَنَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. وَبَعْضُ الْمُؤَدِّبِينَ يَفْعَلُ فِعْلًا قَبِيحًا شَنِيعًا مُحَرَّمًا وَهُوَ أَنَّهُ يَأْكُلُ مَعَ الصِّبْيَانِ مِنْ أَغْذِيَتِهِمْ وَيُطْعِمُ مَنْ يَخْتَارُهُ وَمَنْ يَجْتَمِعُ بِهِ وَيُرْسِلُ مِنْهَا إلَى بَيْتِهِ مَا يَخْتَارُ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْخُلْسَةِ. وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الصِّبْيَانَ بَقِيَ لَهُمْ غِذَاؤُهُمْ وَلَمْ يَمَسَّهُ غَيْرُهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهُ مَا شَاءُوا وَبَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ وَتَرَكُوهَا فِي الْمَكْتَبِ رَغْبَةً عَنْهَا لَجَازَ لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَنْتَفِعَ بِهَا. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْلِمَ أَوْلِيَاءَ الصِّبْيَانِ بِذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً أَوْ وَاحِدًا إنْ انْفَرَدَ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ لِيَتِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا مِنْ غِذَائِهِ وَتَرَكَهُ كُلَّهُ فِي الْمَكْتَبِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِإِعْلَامِ وَالِدِ الصَّبِيِّ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا فَضَلَاتٌ عَنْ شِبَعِهِمْ.
وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُهُ الصِّبْيَانُ مِنْ الْمَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute