رَدَّ كَيْدَهُ لِهَذَا، وَذَلِكَ أَنَّ إبْلِيسَ اللَّعِينَ لَمْ يَقْنَعْ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى جَعَلَهُمْ يَنْشُرُونَ خَشَبًا، وَيَنْحِتُونَ حِجَارَةً، وَيَجْعَلُونَهَا صُوَرًا يَسْجُدُونَ لَهَا، وَيَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُمْ قَدْ صَنَعُوهَا بِأَيْدِيهِمْ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَظَهَرَ أَمْرُهُ، وَانْتَشَرَ أَيِسَ إبْلِيسُ اللَّعِينُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَلَمْ تَبْقَ لَهُ حِيلَةٌ إلَّا الْوَسْوَاسُ، وَالْهَوَاجِسُ الْمُشَوِّشَةُ عَلَى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ لِهَذَا. فَحَمِدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ عَلَى كَوْنِ اللَّعِينِ عَجَزَتْ قُدْرَتُهُ عَنْ جَمِيعِ الْحِيَلِ إذْ أَنَّ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْحِيَلِ إلَّا الْوَسْوَاسُ، وَالْهَوَاجِسُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ مَنْ وَقَعَ لَهُ، وَلَوْ وَقَفَ الْمُكَلَّفُ مَعَ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الْهَوَاجِسِ قَلَّ أَنْ يَتَأَتَّى لَهُ أَدَاءُ عِبَادَةٍ بِسَبَبِ تَسْلِيطِهِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَاتِلُ أَوَّلًا بِنِيَّةِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنْ يَحْتَسِبَ نَفْسَهُ، وَمَالَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١] إلَى آخِرِ الْآيَةِ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: ٤] ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّدَفِيُّ الْمَشْهُورُ بِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «عَبَّانَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَدْرٍ لَيْلًا» ، وَالتَّعْبِيَةُ هِيَ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ، وَتَقْدِمَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَيْنَ يَدَيْ الْقِتَالِ مِنْ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ لِيُرْجَى بِهِ الظَّفَرُ، وَالنَّصْرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: ٤٠]
ثُمَّ الْإِدَارَةُ عَلَى الْعَدُوِّ، وَالْخَدِيعَةُ لَهُ مِنْ أَسْبَابِ الظَّفَرِ.
أَخْرَجَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» ، وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوًا وَرَّى عَنْهُ بِغَيْرِهِ» .
وَمِنْ الْخُدَعِ فِي الْحَرْبِ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْأَحْزَابِ.
رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانَ لَا يَكْتُمُ الْحَدِيثَ، وَكَانَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَامَ الْأَحْزَابِ، وَكَانَ يَأْتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute