تَكُونُ آخِرَ زَادِهِمْ مِنْهَا لَاكْتَفَوْا بِمَا قَلَّ فَلَمَّا أَعْطَوْا اللَّهَ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ ضَيَّقَ أَمْعَاءَهُمْ، وَأَسْقَطَ عَنْهُمْ شَهَوَاتِهِمْ، وَاكْتَفَوْا بِالْيَسِيرِ مِنْ الْمَطْعَمِ فَعِنْدَ ذَلِكَ خَفَّتْ عَلَيْهِمْ مُؤْنَةُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُنَافِسُوا فِيهَا أَحَدًا فَتِلْكَ حَالَاتُهُمْ فِي الْمَطْعَمِ، وَالْمَلْبَسِ مَا تَهَيَّأَ أَكَلُوهُ، وَلَبِسُوهُ لَيْسَ لَهُمْ تَخْيِيرٌ، وَلَا تَلَذُّذٌ فِي أَخْذٍ، وَلَا تَرْكٍ خَوْفَ الشَّهَوَاتِ، وَالِاشْتِغَالُ عَمَّا هُمْ فِيهِ فَأَسْكَنَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَحُبِّهِ مَا أَذَابَ كُلَّ مَوَدَّةٍ لِأَهْلٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ مَالٍ فَإِنْ عَرَضَ مِنْ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ عَارِضٌ فَخَاطِرٌ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ فِيهَا وَرِثُوا نُورَ الْهُدَى فَأَبْصَرُوا مَوَاضِعَ حِيَلِ إبْلِيسَ، وَمَكْرِهِ فَكَسَرُوا عَلَيْهِ كَيْدَهُ، وَلَبَّسُوا عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَدَلُّوا النَّاسَ عَلَى مَوَاضِعِ مَكْرِهِ فَهُمْ نُصَحَاءُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ، وَأُمَنَاؤُهُ فِي بِلَادِهِ ثُمَّ أَسْكَنَ مَحَبَّتَهُمْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ فِي عِلِّيِّينَ فَأَحَبَّهُمْ، وَحَبَّبَهُمْ إلَى مَلَائِكَتِهِ.
فَأَحْيُوا قُلُوبَكُمْ أَيُّهَا الْمُرِيدُونَ بِالذِّكْرِ، وَأَمِيتُوهَا بِالْخَشْيَةِ، وَنَوِّرُوهَا بِحُبِّ لِقَاءِ اللَّهِ، وَفَرِّحُوهَا بِالشَّوْقِ إلَيْهِ، وَاقْمَعُوهَا بِالْمُنَاصَحَةِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِالْمَحَبَّةِ تَرْتَفِعُونَ، وَبِالْمَعْرِفَةِ تَرْهَبُونَ، وَبِالشَّوْقِ تَرْغَبُونَ، وَبِحُسْنِ النِّيَّةِ تَقْهَرُونَ الْهَوَى، وَبِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ تَصْفُو لَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، وَتُؤْثِرُونَ رَبَّكُمْ وَحْدَهُ حَتَّى يُؤْثِرَكُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاءِ فِي عِلِّيِّينَ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُرِيدًا لِلرَّاحَةِ فَلْيَعْمَلْ فِي مَنَازِلِ أَهْلِ مَحَبَّةِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ بِعَزْمٍ، وَإِرَادَةِ قُوَّةٍ وَهِيَ الدَّرَجَاتُ السَّبْعُ الَّتِي تَتَنَقَّلَ فِيهَا بَنُو آدَمَ حَتَّى يَصِيرُوا إلَى الْمَعْرِفَةِ، وَالْعِلْمِ، وَهِيَ الدَّرَجَاتُ الَّتِي أَرْسَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَيْهَا الرُّسُلَ ثُمَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتِهِمْ الْوَحْيُ مَعَ جِبْرِيلَ، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِلْهَامِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْعَوَائِدِ، وَإِنَّمَا وَرِثَ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ خَصَّهُمْ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ وَرِثَ ذَلِكَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ الصِّدِّيقُونَ فَاقْتَدُوا بِهِمْ وَجِدُّوا فِي آثَارِهِمْ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْكِمْ هَذِهِ الدَّرَجَاتِ السَّبْعِ إلَّا رَسُولٌ أَوْ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ بَدَلٌ مِنْ الْأَبْدَالِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ أَوْتَادَ الْأَرْضِ فَسَقَى بِهِمْ الْغَيْثَ، وَأَنْزَلَ عَلَى الْعِبَادِ بِدُعَائِهِمْ الرَّحْمَةَ، وَصَرَفَ عَنْهُمْ بِهِمْ السُّوءَ فَمَنْ كَانَ مُرِيدًا لِلْعَمَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute