أَنْ يَعْرِفَ عَجْزَهُ، وَضَعْفَهُ فَيَقْطَعُ سَبَبَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَرْجِعُ إلَى الْعِزِّ، وَالْمَنْعَةِ، وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمَلِكِ الْقَادِرِ عَلَى مَا يُرِيدُ بِالِاعْتِصَامِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالِاسْتِصْغَارِ، وَالِانْتِصَارِ بِهِ عَلَى الْأَعْدَاءِ فَيَجِدُ عِنْدَ ذَلِكَ الْعِزَّ، وَالرَّوْحَ، وَالْفَرَجَ وَالْمَنْعَةَ، وَيُفَوِّضُ أَمْرَهُ إلَى الْمَلِكِ الْجَبَّارِ فَمَا اخْتَارَ لَهُ مِنْ شَيْءٍ رَضِيَ بِهِ، وَسَلَّمَ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَمٌّ أَوْ رَوْعٌ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ بَلْوَى مِنْ اللَّهِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بِالِانْكِسَارِ، وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ؛ لِمَا فَرَّطَ مِنْهُ، وَيَطْلُبُ الرَّوْحَ، وَالْفَرَجَ بِالتَّقْوَى، وَهُوَ اسْتِمَاعُ الْعَبْدِ إلَى قَوْلِ رَبِّهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَعَلَهُ، وَمَا نَهَاهُ عَنْهُ تَرَكَهُ حَتَّى تَكُونَ كُلُّهَا مَجْمُوعَةً لَهُ فِي رَوْضَةٍ وَاحِدَةٍ.
فَانْظُرْ يَا أَخِي، وَلَا تَدَعْ مَا فِيهِ الْمَخْرَجُ إلَّا خَرَجْت مِنْهُ، وَمَا كَانَ مِمَّا فَرَطَ مِنْك مِمَّا لَا حِيلَةَ فِيهِ إلَّا النَّدَمُ، وَالِاسْتِغْفَارُ فَانْدَمْ عَلَيْهِ نَدَمًا صَحِيحًا بِالْقَلَقِ مِنْك، وَالِاضْطِرَابِ فِي حَضْرَةِ اللَّهِ، وَالِاجْتِهَادِ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَيَّامِ، وَهُجُومِ الْمَوْتِ عَلَيْك، وَأَكْثِرْ مَعَ النَّدَمِ الصَّحِيحِ ذِكْرَ مَا نَدِمْتَ عَلَيْهِ، وَلَا تَفْتُرْ عَمَّا أَمْكَنَك مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ثُمَّ عَلَيْك بَعْدُ بِالتَّخَلُّصِ مِنْ الْعَائِقِ الَّذِي يَشْتَغِلُ عَنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ حَتَّى تَكُونَ مُؤْثِرًا لِلَّهِ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ إلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ دَلَالَاتِ الْعُقُولِ، وَالْعُلُومِ تَأْسِيسَ التَّقْوَى فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَارَ الْعَبْدُ حَيَّ الْقَلْبِ قَابِلًا لِلْمَوْعِظَةِ مُعَظِّمًا؛ لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مُصَغِّرًا؛ لِمَا صَغَّرَ اللَّهُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَحْيَا قَلْبَهُ بِالْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَحْيَا قَلْبَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَيَكُونُ بَيْنَ الْحَيَاةِ، وَالْحَيَاةِ مَوْتَةٌ لَخِفْتُ عَلَيْهِ حَتَّى تَكُونَ حَيَاتُهُ دَائِمَةً تَمُوتُ بِهِ خَوَاطِرُ نَفْسٍ لَيْسَ لَهَا قَرَارٌ، وَالْخَاطِرُ إذَا صُرِمَ أَصْلُهُ، وَقُطِعَ دَخَلَ عَلَيْهِ الْحُزْنُ، وَالْبُكَاءُ فَلَا يَكُونُ مَسْرُورًا بِالْعَارِضِ، وَلَا مَشْغُولًا بِالنِّعْمَةِ عَنْ الْمُنْعِمِ فَهَذَا سَبِيلُ النَّجَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْعَبْدِ رَوْعٌ، وَغَمٌّ عِنْدَ الْخَاطِرِ فَهُوَ مَيِّتٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إلَى التَّقْوَى، وَالْإِخْلَاصِ، وَالصِّدْقِ، وَالتَّخَلُّصِ مِمَّا يَكْرَهُ الرَّبُّ، وَالْحَيَاءُ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْعِلْمِ الْمَفْهُومِ فَإِذَا عَلِمَ، وَفَهِمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute