للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا خَفَّ مَحْمَلُهُ عَلَى قُلُوبِنَا، وَاسْتَخَفَّتْهُ أَنْفُسُنَا، وَاسْتَحْلَتْهُ أَلْسِنَتُنَا فَأَمْضَيْنَا فِيهِ أَعْمَالَنَا طَمَعًا فِي الزِّيَادَةِ مِنْ التَّقْوَى بِزَعْمِنَا، وَدَرْكِنَا حُسْنَ السِّيرَةِ مِنَّا فِي الْأَخْلَاقِ، وَالْآدَابِ فَنَظَرْنَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدْ رَجَعَتْ عَلَيْنَا أَعْمَالُ إيثَارِ الْهَوَى بِالنَّقْصِ مِنْ الزِّيَادَة فِي الدِّينِ، وَبِقُبْحِ السِّيرَةِ مِنَّا فِي الْأَخْلَاقِ، وَالْآدَابِ بِنَظَرِنَا لِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَوَرَّثَنَا ذَلِكَ الْخَبَّ، وَالْغِشَّ، وَالْمُدَاهَنَةَ فَصَيَّرْنَا الْغِشَّ، وَالْمُدَاهَنَةَ مُدَارَاةً، وَصَيَّرْنَا الْخَبَّ عُقُولًا، وَآدَابًا، وَمُرُوآتٍ يَحْتَمِلُ بَعْضُنَا بَعْضَنَا عَلَى ذَلِكَ فَأَعْقَبَنَا ذَلِكَ تَبَاغُضًا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحَاسُدًا، وَتَقَاطُعًا، وَتَدَابُرًا فَتَحَابَبْنَا بِالْأَلْسُنِ مَعَ الرُّؤْيَةِ، وَتَبَاغَضْنَا بِالْقُلُوبِ مَعَ فَقْدِ الرُّؤْيَةِ نَذُمُّ الدُّنْيَا بِالْأَلْسُنِ، وَنَمِيلُ إلَيْهَا بِالْقُلُوبِ، وَنُدَافِعُهَا عَنَّا فِي الظَّاهِرِ بِالْقَوْلِ، وَنَجُرُّهَا بِالْأَيْدِي، وَالْأَرْجُلِ فِي الْبَاطِنِ فَأَصْبَحْنَا مَعَ قُبْحِ هَذَا الْوَصْفِ، وَسَمَاجَتِهِ لَا نَسْتَأْهِلُ بِهِ خُرُوجًا عَنْ النَّقْصِ، وَلَا دُخُولًا فِي الزِّيَادَةِ فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَأَصْحَابُنَا لَا نَجِدُ رَجُلًا صَادِقًا فَنَتَأَسَّى بِهِ، وَلَا خَائِفًا فَنَلْزَمُهُ لِلُزُومِهِ لَهُ، وَلَا مَحْزُونًا يَعْقِلُ الْحُزْنَ فَنُبَاكِيهِ فَقَدْ صِرْنَا نَتَلَاهَى بِفُضُولِ الْكَلَامِ، وَنَأْنَسُ بِمَجَالِسِ الْوَحْشَةِ، وَنَقْتَدِي بِغَيْرِ الْقُدْوَةِ مُصِرِّينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ مُقْلِعِينَ، وَلَا تَائِبِينَ مِنْهُ، وَلَا هَارِبِينَ مِنْ مَكْرِ الِاسْتِدْرَاجِ - فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّوَلِّي عَنْ اللَّهِ، وَالسُّقُوطِ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ، وَالشُّغْلِ بِغَيْرِ اللَّهِ - إنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ لِلطَّاعَةِ ثَوَابًا أَيْ مَا وَعَدَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ التَّفَضُّلِ، وَالْإِحْسَانِ، وَعَلَى الْمَعْصِيَةِ عِقَابًا فَالثَّوَابُ لَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَى اللَّهِ إلَّا مِنْ بَعْدِ تَصْحِيحِ الْعَمَلِ، وَتَخْلِيصِهِ مِنْ الْآفَاتِ، وَتَصْحِيحُ ذَلِكَ، وَتَخْلِيصُهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْمَعْرِفَةِ، وَالِاعْتِزَامِ، وَاحْتِمَالِ مُؤْنَتِهِ، وَتَصْحِيحُ الْعَمَلِ، وَالِاعْتِزَامُ، وَالِاحْتِمَالُ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْعَمَلِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ بَعْدِ ثَبَاتِ الْخَوْفِ فِي الْقَلْبِ، وَالْخَوْفُ لَا يُوجَدُ إلَّا مِنْ بَعْدِ ثَبَاتِ الْيَقِينِ فِي الْقَلْبِ، وَثَبَاتُ الْيَقِينِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ بَعْدِ صِحَّةِ تَرْكِيبِ الْعَقْلِ فِي الْعَبْدِ فَإِذَا صَحَّ تَرْكِيبُ الْعَقْلِ فِي الْعَبْدِ، وَثَبَتَ وَقَعَ الْخَوْفُ مِمَّا قَدْ أَيْقَنَ بِهِ فَجَاءَتْ عَزِيمَةُ الصَّبْرِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَاحْتَمَلَتْ النَّفْسُ حِينَئِذٍ مُؤْنَةَ الْعَمَلِ طَمَعًا فِي ثَوَابِ مَا قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>