للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْءٌ أَوْ تُشَكَّلَ فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّمُ بِهِ الْغِلْمَانُ مِنْ الْمَصَاحِفِ فَلَا أَرَى فِي ذَلِكَ بَأْسًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: بَدَءُوا فَنَقَّطُوا ثُمَّ خَمَّسُوا ثُمَّ عَشَّرُوا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ كَانَ الْقُرْآنُ مُحْكَمًا مُجَرَّدًا فِي الْمَصَاحِفِ فَأَوَّلُ مَا أَحْدَثُوا فِيهِ النُّقَطَ عَلَى الْبَاءِ وَالتَّاءِ وَالثَّاءِ وَقَالُوا: لَا بَأْسَ هُوَ نُورٌ لَهُ ثُمَّ أَحْدَثُوا نُقَطًا عِنْدَ مُنْتَهَى الْآيَةِ ثُمَّ أَحْدَثُوا الْفَوَاتِحَ وَالْخَوَاتِمَ.

وَعَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: رَأَى إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي مُصْحَفٍ فَاتِحَةَ سُورَةِ كَذَا فَقَالَ: اُمْحُهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لَا تَخْلِطُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَيْسَ مِنْهُ انْتَهَى فَانْظُرْ مَا تَرَتَّبَ عَلَى نَقْطِهِ وَشَكْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعُظْمَى لِلصِّغَارِ، وَمَنْ لَا يَقْرَأُ مِنْ الْكِبَارِ كَيْفَ كَرِهُوا ذَلِكَ مَعَ هَذِهِ الْفَائِدَةِ الْعُظْمَى؟ عَلَى هَذَا كَانَ مِنْهَاجُهُمْ فِي تَحَرِّيهِمْ لِلْبِدَعِ. أَلَا تَرَى إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَمَّا أَنْ دَخَلَ الْخَلَاءَ وَرَأَى ذُبَابًا قَدْ وَقَعَ عَلَى فَضْلَةٍ كَانَتْ هُنَاكَ ثُمَّ طَارَ وَوَقَعَ عَلَى ثَوْبِهِ فَعَزَمَ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الذُّبَابِ إذَا خَرَجَ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ غَسْلَهُ أَشْفَقَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَكُونُ بِأَوَّلِ مَنْ أَحْدَثَ بِدْعَةً فِي الْإِسْلَامِ انْتَهَى.

فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَتْ الْبِدَعُ عِنْدَهُمْ؟ وَكَيْفَ كَانَ تَحَرِّيهِمْ لَهَا؟

قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرُوِيَ عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ أَنَّهُ جَاءَ مَعَ الْقُرَّاءِ إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقِيلَ لَهُ: اقْرَأْ فَرَفَعَ صَوْتَهُ وَطَرِبَ وَكَانَ رَفِيعَ الصَّوْتِ فَكَشَفَ أَنَسٌ عَنْ وَجْهِهِ وَكَانَ عَلَى وَجْهِهِ خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا مَا هَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، وَكَانَ إذَا رَأَى شَيْئًا يُنْكِرُهُ كَشَفَ الْخِرْقَةَ عَنْ وَجْهِهِ وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقُرْآنِ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكَرِهَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كُلُّهُمْ كَرِهُوا رَفْعَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ وَالتَّطْرِيبِ فِيهِ انْتَهَى.

أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ عَنْهُمْ فِي أَوْرَادِهِمْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسَاجِدِهِمْ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَأَنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>