وَالطُّنْبُورِ وَسَائِرِ الْمَلَاهِي بِهَذَا الطَّبْعِ الَّذِي لَا يُشَارِكُك فِيهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ (فَصْلٌ)
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّالِحِينَ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ قُلْنَا؟ مَا بَلَغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ سَمِعَهُ، وَلَا فَعَلَهُ، وَهَذِهِ مُصَنَّفَاتُ أَئِمَّةِ الدِّينِ، وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ مُصَنَّفِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَكِتَابِ النَّسَائِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى غَيْرِهَا خَالِيَةً مِنْ دَعْوَاكُمْ، وَهَذِهِ تَصَانِيفُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمْ الْفَتْوَى قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي شَرْقِ الْبِلَادِ وَغَرْبِهَا فَقَدْ صَنَّفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ تَصَانِيفَ لَا تُحْصَى، وَكَذَلِكَ مُصَنَّفَاتُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّهَا مَشْحُونَةٌ بِالذَّبِّ عَنْ الْغِنَاءِ، وَتَفْسِيقِ أَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَلَا يَلْزَمُنَا الِاقْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ، وَنَتْرُكُ الِاقْتِدَاءَ بِالْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ، وَمِنْ هَاهُنَا زَلَّ مَنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ.
نَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِالْمُتَأَخِّرِينَ سِيَّمَا وَكُلُّ مَنْ يَرَى هَذَا الرَّأْيَ الْفَاسِدَ عَارٍ مِنْ الْفِقْهِ عَاطِلٌ مِنْ الْعِلْمِ لَا يَعْرِفُ مَأْخَذَ الْأَحْكَامِ، وَلَا يَفْصِلُ الْحَلَالَ مِنْ الْحَرَامِ، وَلَا يَدْرُسُ الْعِلْمَ، وَلَا يَصْحَبُ أَهْلَهُ، وَلَا يَقْرَأُ مُصَنَّفَاتِهِ، وَدَوَاوِينَهُ، وَقَدْ قَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا اسْتَرْذَلَ اللَّهُ عَبْدًا إلَّا حَظَرَ عَلَيْهِ الْعِلْمَ» فَمَنْ هَجَرَ أَهْلَ الْفِقْهِ، وَالْحِكْمَةِ، وَانْقَضَى عُمْرُهُ فِي مُخَالَطَةِ أَهْلِ اللَّهْوِ وَالْبَطَالَةِ كَيْفَ يُؤْمَنُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا؟ ، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: ٤٣] فَيَا مَنْ رَضِيَ لِدِينِهِ، وَدُنْيَاهُ، وَتَوَثَّقَ لِآخِرَتِهِ وَمَثْوَاهُ بِاخْتِيَارِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَفَتْوَاهُ إنْ كُنْت عَلَى مَذْهَبِهِ، وَبِاخْتِيَارِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إنْ كُنْت تَرَى رَأْيَهُمْ كَيْفَ هَجَرْت اخْتِيَارَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَجَعَلْت إمَامَك فِيهَا شَهَوَاتِك وَبُلُوغَ أَوْطَارِك وَلَذَّاتِك {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: ٢٢٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute