فِي ظَاهِرِ الْغَيْبِ فَإِنَّ الْمَلَكَ يَقُولُ لَهُ: وَلَك مِثْلُ ذَلِكَ» أَوْ كَمَا وَرَدَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كُلُّ حَاجَةٍ أَحْتَاجُهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ بِهَا لِنَفْسِي أَدْعُو بِهَا لِأَخِي فِي ظَهْرِ الْغَيْبِ لِأَنِّي إذَا دَعَوْت لِنَفْسِي كَانَ الْأَمْرُ مُحْتَمَلًا لِلْقَبُولِ أَوْ ضِدِّهِ، وَإِذَا دَعَوْت لِأَخِي فِي ظَهْرِ الْغَيْبِ فَالْمَلَكُ يَقُولُ: وَلَك مِثْلُ ذَلِكَ، وَدُعَاءُ الْمَلَكِ مُسْتَجَابٌ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَاءَ إلَى زِيَارَةِ أَخِيهِ فَقَالَ لَهُ الْمَزُورُ: يَا أَخِي أَمَا كَانَ لَك شُغْلٌ بِاَللَّهِ عَنْ زِيَارَتِي فَقَالَ لَهُ الزَّائِرُ شُغْلِي بِاَللَّهِ أَخْرَجَنِي إلَى زِيَارَتِك.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ إذَا سَأَلَهُ أَحَدٌ مِنْ إخْوَانِهِ فِي حَاجَةٍ يَبْكِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَسُئِلَ عَنْ مُوجِبِ بُكَائِهِ فَقَالَ: أَبْكِي لِغَفْلَتِي عَنْ حَاجَةِ أَخِي حَتَّى احْتَاجَ أَنْ يُبْدِيَهَا لِي، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ هُوَ جَارٍ عَلَى جَادَّةِ غَالِبِ حَالِ النَّاسِ، وَبَعْضُ الْأَكَابِرِ يُعَوِّضُ عَنْ ذَلِكَ مَا هُوَ فِي الْإِيثَارِ أَكْثَرُ وَأَعَمُّ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ اقْتِدَاءٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
كَمَا حَكَى لِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ الْفَقِيهَ الْإِمَامَ الْمَعْرُوفَ بِابْنِ الْجُمَّيْزِيِّ جَاءَ إلَى زِيَارَةِ الْفَقِيهِ الْإِمَامِ الْمُحَدِّثِ الْمَعْرُوفِ بِالظَّهِيرِ التَّزْمَنْتِيِّ، وَكَانَ إذْ ذَاكَ مُنْبَسِطًا مَعَ مَنْ حَضَرَهُ فَلَمَّا أُخْبِرَ بِمَجِيءِ الْفَقِيهِ ابْنِ الْجُمَّيْزِيِّ إلَى زِيَارَتِهِ انْقَبَضَ عَنْ ذَلِكَ، وَزَالَ بَسْطُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُنْقَبِضٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ لَهُ إلَّا جَوَابًا فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ رَجَعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَسْطِ مَعَ مَنْ حَضَرَهُ فَسُئِلَ عَنْ مُوجِبِ ذَلِكَ فَقَالَ: اسْتَصْغَرْت نَفْسِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا السَّيِّدِ يَزُورُ مِثْلِي فَأَرَدْت أَنْ أُكَافِئَهُ بِبَعْضِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فَوَجَدْتُ نَفْسِي عَاجِزَةً عَنْ مُكَافَأَتِهِ فَآثَرْته بِالْأَجْرِ كُلِّهِ حَتَّى يَكُونَ فِي صَحِيفَتِهِ دُونِي لِمَا وَرَدَ «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَأَكْثَرُهُمَا ثَوَابًا أَبَشُّهُمَا لِصَاحِبِهِ» فَآثَرْته بِذَلِكَ أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ، وَهَذَا لَهُ أَصْلٌ فِي الِاتِّبَاعِ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْت إذَا لَقِيتُ عَلِيًّا ابْتَدَأَنِي بِالسَّلَامِ فَلَقِيتُهُ الْيَوْمَ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيَّ حَتَّى ابْتَدَأْته بِالسَّلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute