للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا رَجُلًا صَالِحًا؟ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ يَا مُوسَى إنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ لِي مُنْكَرًا فَأَفَادَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّهُ لَوْ غَيَّرَ عَلَيْهِمْ أَيْ: مَنَعَهُمْ مِنْ فِعْلِ الْمُنْكَرِ مَا هَلَكَ وَلَا هَلَكُوا، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ هِيَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّغْيِيرِ عَلَيْهِمْ كَمَا أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِتَرْكِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْمُخَالَفَاتِ فَلَمَّا أَنْ وَقَعُوا فِي الْمُخَالَفَاتِ وَسَكَتَ هُوَ كَانَ ذَلِكَ وُقُوعًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ السُّكُوتِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْمُخَالَفَاتِ فَاسْتَوَى مَعَهُمْ فِي ارْتِكَابِ الْمَنْهِيَّاتِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ إذْ ذَاكَ مَنْ يَدْفَعُ الْبَلَاءَ عَنْهُمْ إذْ نَزَلَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَذَابَ إنَّمَا يَرْفَعُهُ الِامْتِثَالُ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ إذْ ذَاكَ مُمْتَثِلٌ فَحَصَلَ مَا حَصَلَ وَهَا هُوَ الْيَوْمَ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا خَفَاءَ فِي وُقُوعِ هَذَا الْأَمْرِ عِنْدَنَا لِوُقُوعِ مَا يَقَعُ وَسُكُوتِ عُلَمَائِنَا فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَتَكَلَّمُونَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَلَا يَحُضُّونَ فِي مَجَالِسِ عِلْمِهِمْ عَلَى تَرْكِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ مُوجِبَاتِ نُزُولِ الْعَذَابِ كُلِّهَا مُتَوَفِّرَةٌ عِنْدَنَا فِي الْغَالِبِ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ.

لَا جَرَمَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْخَسْفُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَعَمَّ الْآفَاقَ وَمِنْ الْأَحْيَاءِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْعُلَمَاءُ يُحْشَرُونَ فِي زُمْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْقُضَاةُ يُحْشَرُونَ فِي زُمْرَةِ السَّلَاطِين وَفِي مَعْنَى الْقُضَاةِ كُلُّ فَقِيهٍ قَصَدَ طَلَبَ الدُّنْيَا بِعِلْمِهِ.

قَالَ: وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْدُمُ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي مُوسَى صَفِيُّ اللَّهِ حَدَّثَنِي مُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ حَدَّثَنِي مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ حَتَّى أَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ فَفَقَدَهُ مُوسَى فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ فَلَا يَحُسُّ لَهُ أَثَرًا حَتَّى جَاءَهُ ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلٌ وَفِي يَدِهِ خِنْزِيرٌ وَفِي عُنُقِهِ حَبْلٌ أَسْوَدُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَعْرِفُ فُلَانًا؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ هَذَا الْخِنْزِيرُ فَقَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يَا رَبِّ أَسْأَلُك أَنْ تَرُدَّهُ إلَى حَالِهِ حَتَّى أَسْأَلَهُ بِمَ أَصَابَهُ هَذَا؟ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ يَا مُوسَى لَوْ دَعَوْتنِي بِاَلَّذِي دَعَانِي بِهِ آدَم، فَمَنْ دُونَهُ مَا أَجَبْتُك فِيهِ وَلَكِنْ أُخْبِرُك لِمَ صَنَعْت هَذَا بِهِ؟ لِأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ.

وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: كَانَ الْخَسْفُ لِمَنْ قَبْلِنَا بِالْإِعْدَامِ وَلِكَرَامَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>