يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَا أَحَبَّ مَا أَبْغَضَ اللَّهُ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِعْلُ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَرَبِهِمْ مِنْ الدُّنْيَا خِيفَةً مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْهَا، وَمَنْ طَلَبَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَهُوَ مُسْتَشْرِفٌ لِطَلَبِهَا، وَذَلِكَ مَذْمُومٌ يَذْهَبُ بِجَمِيعِ خَاطِرِهِ، وَاشْتِغَالِهِ عَنْ أَمْرِ دِينِهِ، وَدُنْيَاهُ بَلْ كَانُوا يَعُدُّونَ الدُّنْيَا إذَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً نَزَلَتْ بِهِمْ.
وَقَدْ مَضَتْ حِكَايَةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا جَرَى لَهُ فِي الْعَطَاءِ الَّذِي أَتَاهُ، وَعَلَى هَذَا دَرَجَ فِعْلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَدْ حُكِيَ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ فِي سِيَاحَتِهِ وَمَعَهُ الْحَوَارِيُّونَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ ذَهَبٌ كَثِيرٌ فَنَظَرَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَيْهِ، وَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْقَاتُولِ، وَمَرَّ فِي سِيَاحَتِهِ فَتَخَلَّفَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ، وَقَالُوا: إلَى أَيْنَ هَذَا الْمَقْصُودُ؟ أَوْ كَمَا قَالُوا.
فَقَسَمُوا ذَلِكَ أَثْلَاثًا فَجَلَسَ اثْنَانِ يَحْرُسَانِ ذَلِكَ، وَأَرْسَلَا ثَالِثَهُمَا إلَى الْبَلَدِ لِيَأْتِيَ بِالدَّوَابِّ وَالْأَعْدَالِ وَمَا يَأْكُلُونَهُ فَلَمَّا أَنْ مَضَى لِذَلِكَ تَحَدَّثَ الِاثْنَانِ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَا: لَوْ كَانَ هَذَا الْمَالُ بَيْنَنَا لَكَانَ أَوْلَى، ثُمَّ قَالَا: وَكَيْفَ الْحِيلَةُ؟ فَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ يَقُومَانِ إلَيْهِ، وَيَقْتُلَانِهِ، وَيَبْقَى الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَقَالَ الثَّالِثُ الَّذِي ذَهَبَ إلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ: مِثْلَ قَوْلِهِمَا فَقَالَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ كُلُّهُ لِي لَكَانَ أَوْلَى، ثُمَّ قَالَ: وَكَيْفَ الْحِيلَةُ؟ فَخَطَرَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ سُمًّا فِي الْغِذَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ فَيَأْكُلَانِهِ فَيَمُوتَا فَيَأْخُذُ الْمَالَ كُلَّهُ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلَ عَلَى صَاحِبَيْهِ، وَثَبَا إلَيْهِ فَقَتَلَاهُ، ثُمَّ أَكَلَا مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْغِذَاءِ فَمَاتَا فَبَقِيَ الثَّلَاثَةُ هُنَاكَ مَطْرُوحِينَ فَلَمَّا أَنْ رَجَعَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ سِيَاحَتِهِ، وَمَرَّ بِهِمْ فَوَجَدَهُمْ هُنَاكَ طَرْحَى فَقَالَ لِلْحَوَارِيِّينَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ هَذَا الْقَاتُولُ،.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ اتَّصَفَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَرْبُو عَلَى الْمُسْتَشْرِفِ فَتَرْتَفِعُ الْبَرَكَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute