للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْطِهَا فِي أُجْرَةِ الْمُزَيِّنِ فَقَالَ لَهُ الْمُزَيِّنُ قَدْ دَخَلْت عَلَى هَذَا الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا آخُذُ عَنْهُ عِوَضًا فَقَالَ لَهُ: خُذْهَا لَك دُونَ أُجْرَةٍ فَقَالَ لَهُ لَا حَاجَةَ لِي بِهَا فَقَالَ لَهُ هِيَ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ الْمُزَيِّنُ، أَمَا قَدْ قِيلَ لَك: إنَّك لَبَخِيلٌ فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ وَجْدًا شَدِيدًا، وَأَخَذَ الصُّرَّةَ فَرَمَى بِهَا فِي الْفُرَاتِ.

فَإِذَا قِيلَ لِمِثْلِ هَذَا: بَخِيلٌ فَمَا بَالُك بِمَنْ يُنْسَبُ إلَى الطَّرِيقِ، وَيَطْلُبُ الْمَطَالِبَ، ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَيْسَ الْأَمْرُ لِآرَائِنَا، وَلَا لِمَا اصْطَلَحْنَا عَلَيْهِ مِنْ عَوَائِدِنَا، وَلَا لِمَا يَخْطِرُ مِنْ الْهَوَاجِسِ فِي أَنْفُسِنَا، بَلْ الْمَشْيُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي وَقَعَ مِنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ، وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَا يَلِيقُ بِهَذَا الزَّمَانِ لِغَلَبَةِ الْبُخْلِ فِيهِ، وَقِلَّةِ الْبَرَكَاتِ بِخِلَافِ زَمَانِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ إذْ أَنَّ الزَّمَانَيْنِ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِانْقِطَاعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالنُّزُولِ بِسَاحَةِ كَرَمِهِ مَعَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَاسِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَقَعَ مِثْلُهُ كَثِيرًا مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَعْظَمُ مِنْ الْمُسْتَشْرِفِ فَتَرْتَفِعُ الْبَرَكَةُ عَنْهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

ثُمَّ اُنْظُرْ - رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - إلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مَا أَكْثَرَ قُبْحَهَا، وَبَشَاعَتَهَا.

أَلَا تَرَى إلَى مَا وَقَعَ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَقَدْ جَرَّ ذَلِكَ إلَى تَسْلِيطِ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى هَدْمِ كَثِيرٍ مِنْ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاجِدِهِمْ بِسَبَبِ حَفْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ شَوْكَةٌ فَعَلَهُ جِهَارًا سَوَاءٌ كَانَتْ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَمْلَاك الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ شَوْكَةٌ عَمِلَ الْحِيَلَ الْكَثِيرَةَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَخْرَبَ، وَتُهْدَمَ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ حَتَّى صَارَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخَرِّبَ مَسْجِدًا أَوْ دَارَ مُسْلِمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَتَبَ فِي وَرَقَةٍ أَنَّ مَوْضِعَ كَذَا فِيهِ كَذَا وَكَذَا، وَيَكْتُبُ تَارِيخَهَا قَدِيمًا، وَيُبَخِّرُهَا حَتَّى تَبْقَى كَأَنَّهَا وَرَقَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>