مَا قَبِلَهَا، وَلَا أَقْبَلَ عَلَيْهَا؛ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُسْنِ نَظَرِهِ لَهُ إذْ إنَّ مَفَاتِيحَ هَدَايَاهُ لَا تَنْحَصِرُ، وَلَا تَرْجِعُ إلَى قَانُونٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَأْخُذُهُ حَصْرٌ، وَلَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ أَيْنَ، وَلَا كَيْفَ فَكَذَلِكَ مَا سَتَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ مِنْ عَطَايَاهُ الْجَمَّةِ، وَهَدَايَاهُ الَّتِي لَا حَصْرَ لَهَا.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ، وَجُوعٌ شَدِيدٌ فَتَضَرَّعَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي خَلْوَتِهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْعَطَاءَ فَسَمِعَ هَاتِفًا، وَهُوَ يَقُولُ: أَتُرِيدُ طَعَامًا أَوْ فِضَّةً فَقَالَ، بَلْ فِضَّةً، وَإِذَا بِصُرَّةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ إذَا طُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ، وَأَخْرَجَ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَنْظُرُونَ إلَى جَيْبِهِ، وَيَقْطَعُونَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، ثُمَّ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ إذَا طُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْحَالِ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا طُلِبَ مِنْهُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْخَضِرَ يَأْتِيهِ بِكُلِّ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ، وَقَدْ سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْكِي أَنَّهُ كَانَ يَصْحَبُهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ يُعْرَفُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ، وَكَانَ صَاحِبَ عَائِلَةٍ، وَفَقْرٍ، وَكَانَ النَّاسُ فِي سَنَةٍ شَدِيدَةٍ، وَغَلَاءٍ فَجَاءَ لَيْلَةً بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فِي جَمَاعَةٍ إلَى بَيْتِهِ فَوَجَدَ أَوْلَادَهُ يَبْكُونَ، فَقَالَ لِأُمِّهِمْ: مِمَّ يَبْكُونَ؟ فَقَالَتْ: مِنْ الْجُوعِ قَالَ فَتَرَكْتهمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَطَلَعْت عَلَى سَطْحِ الْبَيْتِ، وَمَرَّغْت خَدِّي عَلَى الْأَرْضِ، وَقُلْت: يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ يَبْكُونَ إلَيَّ، وَأَنَا أَبْكِي إلَيْك أَعْطِنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ قَالَ فَإِذَا سَحَابَةٌ قَدْ طَلَعَتْ فَجَاءَتْ فَعَمَّتْ الدَّارَ فَأَمْطَرَتْ فُولًا عَلَى الدَّارِ، وَحْدَهَا قَالَ فَنَزَلْت إلَى الْأَوْلَادِ، وَأَخْبَرْتُهُمْ فَطَلَعُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ بَقِيَ عِنْدَهُمْ يَأْكُلُونَ مِنْهُ إلَى أَنْ دَخَلَ الْقَمْحُ الْجَدِيدُ.
، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكَايَةُ سَيِّدِي الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَنَّهُ بَقِيَ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَكْلٍ، وَلَا شُرْبٍ قَالَ.
وَلَوْ بَقِيت كَذَلِكَ لَمْ أَحْتَجْ إلَى شَيْءٍ طُولَ حَيَاتِي لَكِنْ رَجَعْت إلَى الْأَكْلِ مِنْ طَرِيقِ الِامْتِثَالِ لِسُنَّةٍ لَا غَيْرٍ. فَمَنْ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَطُرُقُ الْفَتْحِ لَهُ مُتَعَدِّدَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَأَوَانٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute