وَالرُّعْبِ لِلْمَسَاكِينِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يَسْتَطِيعُونَ رُؤْيَتَهُمْ لِشِدَّةِ سَطْوَتِهِمْ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّبُعِ؟ إلَّا فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَعَانِي جَامِعَةٌ بَيْنَهُمَا.
أَلَا تَرَى إلَى الْكِلَابِ وَحَالَتِهَا وَإِيذَائِهَا وَتَسْلِيطِهَا عَلَى رُعْبِ النَّاسِ مَرَّةً بِرُؤْيَتِهَا وَمَرَّةً بِصَوْتِهَا وَمَرَّةً بِتَقْطِيعِهَا الثِّيَابَ وَإِيذَائِهَا فِي الْبَدَنِ، وَقَدْ يُؤَوَّلُ أَمْرُهَا أَنَّ كُلَّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ سَوَاءٌ كَانَ صَبِيًّا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ضَعِيفًا إلَى الْإِعْدَامِ أَلْبَتَّةَ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا مَنْ هُوَ كَلْبٌ فَيَهْلَكُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا كَثِيرًا، وَهُوَ كَثِيرٌ مُتَعَارَفٌ.
فَانْظُرْ إلَى هَؤُلَاءِ الْحَرَسِ الْمُجْتَزِئَةِ الْجَنَادِرَةِ فِي إرْعَابِهِمْ الْمُسْلِمِينَ وَتَسْلِيطِهِمْ عَلَيْهِمْ بِالْأَذِيَّةِ الْعَظِيمَةِ فِي الدِّينِ وَالْبَدَنِ وَالْمَالِ وَالرُّوحِ وَالرُّعْبِ الْحَاصِلِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ لِلصِّبْيَانِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الضُّعَفَاءِ الْمَسَاكِينِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكِلَابِ؟ إلَّا فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَعَانِي.
أَلَا تَرَى إلَى الْعَقْرَبِ وَحَالَتِهَا وَإِيذَائِهَا وَكَثْرَةِ تَعْقِيدِهَا وَسُمِّهَا، وَأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا صَدْرٌ فَانْظُرْ إلَى بَعْضِهِمْ تَجِدْهُ كَذَلِكَ ضَيِّقَ الصَّدْرِ وَمَعْقُودَ الْوَجْهِ لَا تَسْتَطِيعُ رُؤْيَتَهُ لِتَعَقُّدِ وَجْهِهِ وَضِيقِ صَدْرِهِ، فَإِنْ قَرُبْته وَأَنْتَ لَا تَتَحَفَّظُ عَلَى نَفْسِك مِنْهُ حَصَلَ لَك مِنْهُ الْأَذِيَّةُ الْعُظْمَى إمَّا فِي مَالِك أَوْ بَدَنِك أَوْ عِرْضِك، وَذَلِكَ سُمُّهُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ؟ وَالْمَعَانِي جَامِعَةٌ بَيْنَهُمَا انْتَهَى بِالْمَعْنَى.
وَهَذَا كَثِيرٌ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ وَلَا عَدُّهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَمْثِيلًا لِمَنْ لَهُ لُبٌّ فَيَنْظُرُ إلَى كَيْفِيَّةِ الْخَسْفِ الْوَاقِعِ لِكُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِ حَالِهِ وَحَالِ دِينِهِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى خَسْفِ الْقُلُوبِ وَعَدَمِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ كُلُّ هَذَا سَبَبُهُ الْمُوَاطَأَةُ مِنْ الْبَعْضِ عَلَى ارْتِكَابِ الْمُخَالَفَاتِ وَمِنْ الْبَعْضِ عَلَى السُّكُوتِ عِنْدَ رُؤْيَةِ ذَلِكَ أَوْ سَمَاعِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَغْيِيرَ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالْيَدِ مَرَّةً وَبِاللِّسَانِ مَرَّةً وَالشَّاذُّ لُزُومُ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ التَّأْثِيرُ وَالْبُغْضُ الَّذِي يَجِدُهُ فِي قَلْبِهِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ الْآدَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute