مِنْ حَدِيدٍ كَالْغُلِّ، بَلْ هُوَ نَفْسُهُ وَيُعَلِّقُونَ فِي آذَانِهِمْ حِلَقًا مِنْ حَدِيدٍ.
وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ عَلَى ذَكَرِهِ طَوْقًا مِنْ حَدِيدِ الْقُفْلِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ شُيُوخَهُمْ حِينَ يَأْخُذُونَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ يَفْعَلُونَهُ بِهِمْ وَيَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يُلْبِسُوهُ لِمَنْ اقْتَدَى بِهِمْ وَيَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ قُفْلٌ عَلَى مَحِلِّ الْمَعَاصِي حَتَّى لَا تُرْتَكَبَ وَلَا خَفَاءَ فِي تَحْرِيمِ هَذَا وَشَنَاعَتِهِ وَقُبْحِهِ، وَأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ. ثُمَّ مَعَ ادِّعَائِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ قُفْلٌ عَلَى مَحِلِّ الْمَعَاصِي يَأْتُونَ بِنَقِيضِ مَا زَعَمُوا، وَهُوَ أَنَّ فِيهِمْ شُبَّانًا لَهُمْ صُوَرٌ حِسَانٌ وَهُمْ مُقِيمُونَ مَعَهُمْ مَسَاءً وَصَبَاحًا وَيَخْلُو بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ دُونَ نَكِيرٍ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لَأَنْ أُؤْتَمَنَ عَلَى سَبْعِينَ عَذْرَاءَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤْتَمَنَ عَلَى شَابٍّ.
وَبَعْضُهُمْ يَتَّخِذُ حَدِيدًا كَالْعَمُودِ يَمْشِي بِهِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْحَدِيدَ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ، وَقَدْ وَرَدَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» فَيَقَعُونَ فِي هَذَا الْخَطَرِ الْعَظِيمِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ، وَالْجَهْلُ بِالْجَهْلِ كُلُّ ذَلِكَ سَبَبُهُ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ.
وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَأَنَّ طَرِيقَتَهُ هِيَ الْمُثْلَى وَمِنْهُمْ قَوْمٌ تَنَزَّهُوا عَنْ هَذِهِ الرَّذَائِلِ وَعَابُوا عَلَى فَاعِلِهَا، ثُمَّ إنَّهُمْ يَقَعُونَ فِي أَشْيَاءَ رَذِلَةٍ نَهَى صَاحِبُ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَنْهَا، وَهِيَ عِنْدَهُمْ كَأَنَّهَا مِنْ شِعَارِ الْوِلَايَةِ. فَمِنْ ذَلِكَ اتِّخَاذُ بَعْضِهِمْ الْأَعْلَامَ عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِلَّهِ - تَعَالَى - عَلَى مَا يَزْعُمُ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا فَالْوَلِيُّ لِلَّهِ - تَعَالَى - لَوْ قَدَرَ أَنْ يَدْفِنَ نَفْسَهُ، أَوْ يَكُونَ أَرْضًا يُمْشَى عَلَيْهِ لَفَعَلَ حَتَّى لَا يَكُونَ مَعَ النَّاسِ بِالسَّوَاءِ فَكَيْفَ يَنْشُرُ الْأَعْلَامَ عَلَى رَأْسِهِ وَهَذَا مِنْ بَابِ الشُّهْرَةِ وَالدَّعْوَى وَأَهْلُ الْإِيمَانِ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَنْ سَأَلَهُ أَنْ يَعِظَ النَّاسَ وَيُذَكِّرَهُمْ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَقُولَ أَنَا تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَاعْرِفُونِي فَكُلُّ مَنْ أَرَادَ الظُّهُورَ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ عَكْسُ حَالِهِمْ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ بِدْعَةٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ فَكَيْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute